وأصل الكلمة من «الزّلفى» ، والقرب ، يقال : أزلفه فازدلف ، أي : قربّه فاقترب قال تعالى : (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) [الشعراء : ٦٤] ، وفي الحديث : «ازدلفوا إلى الله بركعتين»(١).
وقال الرّاغب (٢) : والزّلفة : المنزلة والحظوة ، وقد استعملت الزّلفة في معنى العذاب كاستعمال البشارة ونحوها ، والمزالف : المراقي ، وسمّيت ليلة المزدلفة لقربهم من منى بعد الإفاضة. وقوله : (مِنَ اللَّيْلِ) صفة ل «زلفا».
فصل
معنى (طَرَفَيِ النَّهارِ) أي : الغداة والعشي. قال مجاهد ـ رحمهالله ـ : طرفا النهار الصبح ، والظهر ، والعصر. (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) يعنى : صلاة المغرب والعشاء.
وقال الحسن : طرفا النّهار : الصبح ، والظهر والعصر. (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) المغرب والعشاء وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : طرفا النهار الغداة والعشي ، يعني صلاة الصبح والمغرب (٣).
فصل
قال ابن الخطيب (٤) ـ رحمهالله ـ : «الأشهر أنّ الصلوات التي في طرفي النهار هي الفجر والعصر ، وذلك لأنّ أحد طرفي النهار طلوع الشّمس ، والطّرف الثاني غروب الشمس.
فالأول : هو صلاة الفجر.
والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب ؛ لأنها داخلة تحت قوله : (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) فوجب حمل الطّرف الثاني على صلاة العصر.
وإذا تقرّر هذا كانت الآية دليلا على قول أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ في أنّ التنوير بالفجر أفضل ، وفي أنّ تأخير العصر أفضل ؛ لأنّ ظاهر الآية يدلّ على وجوب إقامة الصّلاة في طرفي النهار ، وبينا أنّ طرفي النهار هما الزمان الأول لطلوع الشمس ، والزّمان الثّاني لغروب الشمس ، وأجمعت الأمة على أنّ إقامة الصّلاة في ذلك الوقت من غير ضرورة غير مشروعة فقد تعذّر العمل بظاهر الآية ، فوجب حمله على المجاز ، وهو أن يكون المراد : إقامة الصلاة في الوقت الذي يقرب من طرفي النهار ؛ لأنّ ما يقرب من الشّيء يجوز أن يطلق عليه اسمه ، وإذا كان كذلك فكل وقت كان أقرب لطلوع الشمس ،
__________________
(١) ينظر : المفردات ٤ / ٢.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٢٥).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٢٥) عن الحسن وابن زيد وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٠٥) عن ابن عباس.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ١٧ / ٥٨.