وإلى غروبها كان أقرب إلى ظاهر اللفظ ، وإقامة صلاة الفجر عند التنوير أقرب إلى وقت الطّلوع من إقامتها عند التغليس ، وكذلك إقامة صلاة العصر عند ما يصير ظل كل شيء مثليه ، أقرب إلى وقت الغروب من إقامتها عند ما يصير ظلّ كل شيء مثله ، والمجاز كلّما كان أقرب إلى الحقيقة ، كان حمل اللفظ عليه أولى.
فصل
قال أبو بكر الباقلاني ـ رضي الله عنه ـ : إنّ الخوارج تمسّكوا بهذه الآية في إثبات أنّ الواجب ليس إلّا الفجر والعشاء من وجهين :
الأول : أنّهما واقعان على طرفي النهار ؛ فوجب أن يكون هذا القدر كافيا.
فإن قيل : قوله (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) يوجب صلوات أخرى.
قلت : لا نسلّم ، فإنّ طرفي النهار موصوفان بكونهما زلفا من اللّيل ، فإن ما لا يكون نهارا يكون ليلا غاية ما في الباب أنّ هذا يقتضي عطف الصفة على الموصوف ، وذلك كثير في القرآن والشعر.
الوجه الثاني : أنه تعالى قال : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) وهذا يقتضي أنّ من صلّى طرفي النّهار كان إقامتهما كفارة لكلّ ذنب ، فبتقدير أن يقال : إنّ سائر الصلوات واجبة إلّا أنّ إقامتها يجب أن تكون كفارة لترك سائر الصلوات ، وهذا القول باطل بإجماع الأمّة فلا يلتفت إليه.
فصل
قيل في قوله تعالى : (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) أنه يقتضي الأمر بإقامة الصلاة في ثلاث زلف من الليل ؛ لأنّ أقلّ الجمع ثلاثة ، والمغرب والعشاء وقتان ؛ فيجب الحكم بوجوب الوتر.
قوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) قال ابن عبّاس : إنّ الصّلوات الخمس كفارة لسائر الذّنوب بشرط اجتناب الكبائر (١). وروي عن مجاهد ـ رحمهالله ـ : «إنّ الحسنات هي قول العبد : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر (٢).
وروي أنّها نزلت في أبي اليسر ، قال : أتتني امرأة تبتاع تمرا ، فقلت لها إنّ في بتي تمرا أطيب من هذا ؛ فدخلت معي في البيت ، فأهويت إليها فقبّلتها ، فأتيت أبا بكر ـ رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين ـ فذكرت ذلك له فقال : استر على نفسك وتب ، فأتيت عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال : استر على نفسك وتب فلم أصبر ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكرت ذلك ، فقال : «أخلفت غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟» حتّى تمنّى أنّه لم يكن أسلم إلّا تلك السّاعة حتّى ظنّ أنّه من أهل النّار. فأطرق رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٠٥).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٣١).