(١١٦) وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ)(١٢٠)
قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ) من الآية.
لمّا بيّن أنّ الأمم المتقدمين حلّ بهم عذاب الاستئصال ، بيّن أنّ السبب فيه أمران :
الأول : أنه ما كان فيهم قوم ينهون عن الفساد في الأرض ، فقال : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ ،) «لو لا» تحضيضية دخلها معنى التّفجّع عليهم ، وهو قريب من مجاز قوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) [يس : ٣٠] ، وما يروى عن الخليل ـ رحمهالله ـ أنه قال : كل ما كان في القرآن من «لو لا» فمعناه «هلّا» إلّا التي في الصافات (فَلَوْ لا أَنَّهُ) ، لا يصحّ عنه لورودها كذلك في غير الصافات (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ) [القلم : ٤٩] ، (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) [الإسراء : ٧٤] ، (وَلَوْ لا رِجالٌ) [الفتح : ٢٥].
و (مِنَ الْقُرُونِ) يجوز أن يتعلّق ب «كان» ؛ لأنّها هنا تامّة ، إذ المعنى : فهلّا وجد من القرون ، أو حدث ، أو نحو ذلك ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنّه حال من : (أُولُوا بَقِيَّةٍ) لأنه لو تأخّر عنه لجاز أن يكون نعتا له ، و (مِنْ قَبْلِكُمْ) حال من «القرون» و «ينهون» حال من (أُولُوا بَقِيَّةٍ) لتخصّصه بالإضافة ، ويجوز أن يكون نعتا ل (أُولُوا بَقِيَّةٍ) وهو أولى.
ويضعف أن تكون «كان» هذه ناقصة لبعد المعنى من ذلك ، وعلى تقديره يتعيّن تعلّق (مِنَ الْقُرُونِ) بالمحذوف على أنّه حال ؛ لأنّ «كان» النّاقصة لا تعمل عند جمهور النّحاة ، ويكون «ينهون» في محلّ نصب خبرا ل «كان».
وقرأ العامّة «بقيّة» بفتح الباء وتشديد الياء ، وفيها وجهان :
أحدهما : أنّها صفة على «فعيلة» للمبالغة ، بمعنى «فاعل» ؛ ولذلك دخلت التّاء فيها ، والمراد بها حينئذ جند الشيء وخياره ، وإنّما قيل لجنده وخياره : «بقيّة» في قولهم : فلان بقية النّاس ، وبقية الكرام ؛ لأنّ الرّجل يستبقي ممّا يخرجه أجوده وأفضله والرجل يبقى بعده ذكر جوده وفضله ؛ وعليه حمل بيت الحماسة : [البسيط]
٣٠٤٠ ـ إن تذنبوا ثمّ تأتيني بقيّتكم |
|
......... (١) |
وفي المثل : «في الزّوايا خبايا ، وفي الرّجال بقايا».
__________________
(١) تقدم.