والإتراف : إفعال من التّرف وهو النّعمة ، يقال : صبيّ مترف ، أي : منعم البدن ، وأترفوا : نعموا. وقيل : التّرفّه : التوسّع في النّعمة.
وقال مقاتل : «أترفوا» خوّلوا.
وقال الفراء : عوّدوا ، أي : واتّبع الذين ظلموا ما عوّدوا من النّعيم ، وإيثار اللذات على الآخرة (١).
وقرأ أبو عمرو في رواية الجعفي ، وأبو جعفر «وأتبع» بضم همزة القطع وسكون التّاء وكسر الباء مبنيّا للمفعول ، ولا بدّ حينئذ من حذف مضاف ، أي : أتبعوا جزاء ما أترفوا فيه.
و «ما» يجوز أن تكون بمعنى «الذي» ، وهو الظّاهر لعود الضمير في «فيه» عليه ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي : جزاء إترافهم.
قوله (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) كافرين. وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون عطفا على «أترفوا» إذا جعلنا «ما» مصدرية ، أي : اتّبعوا إترافهم وكونهم مجرمين.
والثاني : أنه عطف على «اتّبع» ، أي : اتّبعوا شهواتهم وكانوا مجرمين بذلك ، لأنّ تابع الشّهوات مغمور بالآثام.
الثالث : أن يكون اعتراضا وحكما عليهم بأنّهم قوم مجرمون. ذكر ذلك الزمخشريّ.
قال أبو حيّان (٢) : «ولا يسمّى هذا اعتراضا في اصطلاح النّحو ؛ لأنه آخر آية ، فليس بين شيئين يحتاج أحدهما إلى الآخر».
قوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) الآية.
في «ليهلك» الوجهان المشهوران ، وهما : زيادة اللام في خبر : «كان» دلالة على التّأكيد ـ كما هو رأي الكوفيين ـ أو كونها متعلقة بخبر «كان» المحذوف ، وهو مذهب البصريين ، و «بظلم» متعلق ب «يهلك» ، والباء سببية ، وجوّز الزمخشريّ أن تكون حالا من فاعل «ليهلك» ، وقوله (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) جملة حالية.
فصل
قيل : المراد بالظلم هنا : الشرك ، قال تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان :
__________________
(١) قرأ بها أيضا حفص بن محمد ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢١٤ وقرأ بها أيضا العلاء بن سيابة ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٧١ ، والدر المصون ٤ / ١٤٧ ، ١٤٨.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٧١.