١٣] والمعنى : أنه تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم ، ولهذا قال الفقهاء : إنّ حقوق الله مبناها على المسامحة ، وحقوق العباد مبناها على التّضييق والشح ، ويقال : إنّ الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظّلم ، ويدلّ على هذا التأويل أنّ قوم هود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب إنّما نزل بهم عذاب الاستئصال ، لما حكى الله تعالى عنهم من إيذاء النّاس وظلم الخلق. وهذا تأويل أهل السنة. وقالت المعتزلة : إنّه تعالى لو أهلكهم حال كونهم مصلحين لكان ظلما ، ولمّا كان متعاليا عن الظلم ، لا جرم أنّه إنما يهلكهم لأجل سوء أفعالهم.
وقيل : معنى الآية : أنّه لا يهلكهم بظلم منه ، وهم مصلحون في أعمالهم ، ولكن يهلكهم بكفرهم وركوبهم السّيئات ، وهذا معنى قول المعتزلة.
ثم قال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) كلهم على دين واحد ، (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) على أديان شتّى ، من يهوديّ ، ونصرانيّ ، ومجوسيّ ، ومشرك ، ومسلم ، وقد تقدم الكلام على ذلك.
قوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) ظاهره أنه متّصل ، وهو استثناء من فاعل «يزالون» ، أو من الضّمير في «مختلفين» وجوّز الحوفي أن يكون استثناء منقطعا ، أي : لكن من رحم ، لم يختلفوا ، ولا ضرورة تدعو إلى ذلك.
قوله : (وَلِذلِكَ) في المشار إليه أقوال كثيرة.
أظهرها : أنّه الاختلاف المدلول عليه ب «مختلفين» ؛ كقوله : [الوافر]
٣٠٤١ ـ إذا نهي السّفيه جرى إليه |
|
وخالف والسّفيه إلى خلاف (١) |
رجع الضّمير في «إليه» على السّفه المدلول عليه بلفظ «السّفيه» ، ولا بدّ من حذف مضاف على هذا ، أي : ولثمرة الاختلاف خلقهم ، واللام في الحقيقة للصّيرورة ، أي : خلقهم ليصير أمرهم إلى الاختلاف.
وقيل : المراد به الرحمة المدلول عليها بقوله : «رحم» ، وإنّما ذكّر ذهابا بها إلى الخير. وقيل: المراد به المجموع منهما ، وإليه نحا ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : كقوله : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨]. وقيل : إشارة إلى ما بعده من قوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ،) ففي الكلام تقديم وتأخير ، وهو قول مرجوح ؛ لأنّ الأصل عدم ذلك.
فصل
قال الحسن وعطاء : وللاختلاف خلقهم. قال أشهب : سألت مالكا ـ رحمهالله ـ عن هذه الآية فقال : خلقهم ليكون فريق في الجنّة وفريق في السّعير. قال أبو عبيد : الذي
__________________
(١) تقدم.