قوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(١٢٣)
ثم قال تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ).
وهذا تهديد ووعيد ؛ لأنّه تعالى لمّا بالغ في الإعذار والإنذار والتّرغيب والتّرهيب ، أتبع ذلك بأن قال للرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) ولم تؤثر فيهم هذه البيانات البالغة : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ) وهذا عين ما حكاه عن شعيب ـ عليهالسلام ـ أنه قال لقومه (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) [هود : ٩٣] ، والمعنى : افعلوا كلّ ما تقدرون عليه في حقّي من الشر ، فنحن أيضا عاملون.
وقوله : «اعملوا» وإن كان صيغته صيغة أمر ، إلّا أنّ المراد به التّهديد ، كقوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) [الإسراء : ٤] ، وكقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] ، (وَانْتَظِرُوا) ما يعدكم الشيطان من الخذلان ف (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ما وعدنا الرّحمن من أنواع الغفران والإحسان ، قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : (وَانْتَظِرُوا) الهلاك ف (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) لكم العذاب وقيل : «انتظروا» ما يحلّ بنا من رحمة الله (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ما يحل بكم من نقمته (١).
ثم إنّه تعالى ذكر خاتمة شريفة عالية جامعة لكل المطالب الشّريفة فقال : (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [هود : ١٢٣] أي : علم ما غاب عن العباد ، أي : أن علمه نافذ في جميع الكليات والجزئيات ، والمعدومات ، والموجودات (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) في المعاد.
قرأ نافع (٢) وحفص «يرجع» بضم الياء وفتح الجيم ، أي : يرد. وقرأ الآخرون بفتح الياء وكسر الجيم ، أي : يعود الأمر كلّه إليه حتّى لا يكون للخلق أمر. (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) وثق به. (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). قرأ نافع وابن عامر وحفص «تعملون» بالخطاب ، لأنّ قبله «اعملوا». والباقون (٣) بالغيبة رجوعا على قوله : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ،) وهذا الخلاف أيضا في آخر النمل.
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ٦٥) عن ابن عباس.
(٢) ينظر : السبعة ٣٤ والحجة ٤ / ٣٨٨ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٩٦ وحجة القراءات ٣٥٣ والإتحاف ٢ / ١٣٧ والمحرر الوجيز ٣ / ٢١٧ والبحر المحيط ٥ / ٥٧٤ والدر المصون ٤ / ١٤٩.
(٣) ينظر : السبعة ٣٤٠ وما بين معقوفين فيه والحجة ٤ / ٣٨٩ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٩٦ وحجة القراءات ٣٥٣ وقرأ بها أيضا أبو جعفر ويعقوب في الإتحاف ٢ / ١٣٧ وقرأ بها أيضا الأعرج والحسين وأبي جعفر وشيبة وعيسى بن عمر وقتادة والجحدري واختلف عن الحسن وعيسى ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢١٧ والبحر المحيط ٥ / ٢٧٥ وتنظر القراءة في الدر المصون ٤ / ١٤٩.