الذين انقرضوا على الحق من شريعة التوراة والإنجيل ، وأيضا فكتابهم في أيديهم ، فربّما يتفكرون فيه فيعرفون صدق محمد ونبوته ، فأمهلوا لهذا المعنى.
فصل
طعن ابن الراوندي في القرآن وقال : إنه ذكر في تعظيم كفر النصارى ، قوله : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [مريم : ٩٠ ـ ٩١] فبيّن أنّ إظهارهم لهذا القول بلغ إلى هذا الحدّ ، ثم إنّه أخذ منهم دينارا واحدا وأقرهم عليه ، وما منعهم منه.
والجواب : ليس المقصود من أخذ الجزية تقريره على الكفر ، بل المقصود حقن دمه وإمهاله مدّة ، رجاء أنه ربما وقف في هذه المدة على محاسن الإسلام وقوّة دلائله ؛ فينتقل من الكفر إلى الإيمان.
قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠) اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٣٣)
(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) الآية.
قرأ عاصم (١) والكسائيّ بتنوين «عزير» ، والباقون من غير تنوين ، فأمّا القراءة الأولى فيحتمل أن يكون اسما عربيا مبتدأ ، و «ابن» خبره ، فتنوينه على الأصل ، ويحتمل أن يكون أعجميا ، ولكنه خفيف اللّفظ ، ك «نوح» ، و «لوط» ، فصرف لخفّة لفظه ، وهذا قول أبي عبيد ، يعني : أنّه تصغير «عزر» ، فحكمه حكم مكبّره ، وقال : هذا ليس منسوبا إلى أبيه ، إنّما هو كقولك : زيد ابن الأمير ، وزيد ابن أخينا ، و «عزير» مبتدأ وما بعده خبره ، وردّ هذا بأنّه ليس بتصغير ، إنّما هو أعجمي ، جاء على هيئة التّصغير في لسان العرب ، ك «سليمان» ، جاء على مثال «عثيمان ، وعميران».
وأمّا القراءة الثانية ؛ فيحتمل حذف التنوين ثلاثة أوجه :
__________________
(١) ينظر : السبعة ص (٣١٣) ، الحجة للقراء السبعة ٤ / ١٨١ ، إعراب القراءات ١ / ٢٣٧ ـ ٢٣٦ ، النشر ٢ / ٢٧٩ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٨٩.