الياء قلبت همزة ، وهذا خطأ ؛ لأنّ مثل هذه الياء لا تثبت في هذا الموضع حتى تقلب همزة ، بل يؤدي تصريفه إلى حذف الياء ، نحو : يرامون ، من «الرمي» ، ويماشون ، من «المشي» وزعم بعضهم : أنّه مأخوذ من قولهم : «امرأة ضهيا» بالقصر ، وهي التي لا ثدي لها ، أو الّتي لا تحيض ، سمّيت بذلك ، لمشابهتها الرجال ، يقال : امرأة ضهيا ، بالقصر وضهياء ، بالمد ، ك : حمراء ، وضهياءة ، بالمدّ وتاء التأنيث ، ثلاث لغات ، وشذّ الجمع بين علامتي تأنيث في هذه اللّفظة ، حكى اللغة الثالثة الجرميّ ، عن أبي عمرو الشيباني.
قيل : وقول من زعم أنّ المضاهأة بالهمز مأخوذة من : امرأة ضهياء ، في لغاتها الثلاث ، فقوله خطأ ، لاختلاف المادتين ، فإنّ الهمزة في «امرأة ضهياء» زائدة في اللّغات الثلاث ، وهي في «المضاهأة» أصلية.
فإن قيل : لم لم يدّع أنّ همزة «ضهياء» أصلية وباؤها زائدة؟.
فالجواب : أنّ «فعيلا» بفتح الياء لم يثبت.
فإن قيل : فلم لم يدّع أنّ وزنها «فعلل» ، ك : «جعفر»؟.
فالجواب : أنه قد ثبت زيادة الهمزة في «ضهياء» بالمدّ ، فثبت في اللّغة الأخرى ، وهذه قاعدة تصريفية ، والكلام على حذف مضاف تقديره : يضاهي قولهم قول الذين ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فانقلب ضمير رفع بعد أن كان ضمير جرّ.
والجمهور على الوقف على «بأفواههم» ، ويبتدئون ب «يضاهئون».
وقيل : الباء تتعلّق بالفعل بعدها ، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف هذا المضاف. واستضعف أبو البقاء قراءة عاصم ، وليس بجيّد لتواترها ، وقال أحمد بن يحيى : لم يتابع أحد عاصما على الهمز.
والمضاهاة : المشابهة ، في قول أكثر أهل اللّغة. وقال شمر : «المضاهاة : المتابعة ، يقال : فلان يضاهي فلانا ، أي : يتابعه».
فصل
قال مجاهد : «يضاهئون» قول المشركين من قبل ، كانوا يقولون : اللّات والعزّى بنات الله» (١).
وقال قتادة والسديّ : «ضاهت النصارى قول اليهود من قبل ، فقالوا : المسيح ابن الله ، كقول اليهود من قبل عزير ابن الله ؛ لأنهم أقدم منهم» (٢) وقال الحسن : «شبّه كفرهم
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨٥).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٥٢) عن قتادة والسدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤١٥) عن قتادة وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.