قوله «فسيحوا». قال ابن الأنباري : «هذا على إضمار القول ، أي : قل لهم فسيحوا» ويكون التفاتا من الغيبة إلى الخطاب ، كقوله : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً) [الإنسان : ٢١ ـ ٢٢] ، ويقال : ساح يسيح سياحة وسيوحا وسيحانا أي : انساب ، لسيح الماء في الأماكن المنبسطة ، قال طرفة : [السريع]
٢٧٤٢ ـ لو خفت هذا منك ما نلتني |
|
حتّى ترى خيلا أمامي تسيح (١) |
و (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ظرف ل «سيحوا» ، وقرىء (٢) «غير معجزي الله» بنصب الجلالة على أنّ النون حذفت تخفيفا ، وقد تقدّم تحريره.
فصل
المعنى : قال لهم سيروا في الأرض مقبلين ومدبرين ، آمنين غير خائفين : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) أي : غير فائتين ولا سابقين : (وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) أي: مذلهم بالقتال في الدّنيا والعذاب في الآخرة.
واختلفوا في هذه الأشهر الأربعة ، فقال الزهريّ : «إن براءة نزلت في شوال ، وهي أربعة أشهر : شوال ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم» ، والصّواب الذي عليه الأكثرون : أنّ ابتداء هذا الأجل يوم الحج الأكبر ، وانقضاؤه إلى عشرين من ربيع الآخر ، ومن لم يكن له عهد ، فإنما أجله انسلاخ الأشهر الحرم ، وذلك خمسون يوما ، وقيل : ابتداء تلك المدة كان من عشر ذي القعدة إلى عشر من ربيع الأول ؛ لأنّ الحجّ في تلك السنة كان في ذلك الوقت بسبب النّسيء الذي كان فيهم ، ثم صار في السّنة الثانية في ذي الحجة وهي حجة الوداع ويدلّ عليه قوله عليه الصّلاة والسّلام :
«ألا إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السّماوات والأرض» (٣).
فصل
اختلف العلماء في هذا التأجيل ، وفي هؤلاء الذين برىء الله ورسوله من العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال جماعة : هذا تأجيل للمشركين ، فمن كانت مدة عهده أقل من أربعة أشهر رفعه إلى أربعة أشهر ، ومن كانت مدته أكثر من أربعة أشهر حطه إلى أربعة أشهر ، ثمّ هو حرب بعد ذلك لله ولرسوله ، فيقتل حيث يدرك ويؤسر إلّا أن يتوب.
__________________
(١) البيت ليس في ديوان طرفة وهو له ينظر : القرطبي ٨ / ٦٤ البحر المحيط ٥ / ٨ روح المعاني ١٠ / ٤٣ ، حاشية الشهاب ٤ / ٢٩٧ الدر المصون ٣ / ٤٤٠.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٤٤١.
(٣) أخرجه أحمد (٥ / ٣٧) والبخاري (٨ / ١٧٥) كتاب التفسير : باب إن عدة الشهور عند الله .....
حديث (٤٦٦٢) ومسلم (٣ / ٣١٠٥) كتاب القسامة : باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال حديث (٢٩ / ١٦٧٩) من حديث أبي بكرة.