فصل
أصل الكنز في كلام العرب : الجمع ، وكل شيء جمع بعضه إلى بعض فهو مكنوز. واختلف علماء الصحابة في المراد بهذا الكنز المذموم ، فقال الأكثرون : هو المال الذي لم تؤد زكاته ، قال عمر بن الخطّاب : «ما أدّي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين ، وكلّ ما لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرضين» (١). وقال ابن عبّاس في قوله : (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) يريد : الذين لا يؤدّون زكاة أموالهم (٢). وروى أبو هريرة قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «ما من صاحب ذهب ولا فضّة لا يؤدّي منها حقّها إلّا إذا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنّم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلّما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتّى يقضى بين العباد فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار» (٣).
قال القاضي «تخصيص هذا المعنى بمنع الزّكاة لا سبيل إليه ، بل الواجب أن يقال :الكنز : هو المال الذي ما أخرج عنه ما وجب إخراجه ، ولا فرق بين الزكاة وبين ما يجب من الكفارات ، وبين ما يلزم من نفقة الحج أو الجمعة ، وبين ما يجب إخراجه في الديون والحقوق ، والإنفاق على الأهل والعيال ، وضمان المتلفات ، وأروش الجنايات ؛ فيجب دخول كل هذه الأقسام في هذا الوعيد».
وروي عن علي بن أبي طالب أنّه قال : كل مال زاد على أربعة آلاف درهم ؛ فهو كنز ، أدّيت منه الزكاة أو لم تؤدّ ، وما دونها نفقة (٤). وروي عن أبي ذرّ أنّه كان يقول : «من ترك بيضاء أو حمراء كوي بها يوم القيامة» (٥) وقيل : ما فضل عن الحاجة كنز ، لما روى أبو أمامة قال: «مات رجل من أهل الصفة فوجد في مئزره دينار ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : كيّة ، ثم توفي آخر فوجد في مئزره ديناران ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : كيتان» (٦). والقول الأول أصح ، لقوله عليه الصلاة والسّلام : «نعم المال الصّالح للرجل الصّالح» (٧) وقوله عليه
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨) وذكره البغوي (٢ / ٢٨٧).
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨٧).
(٣) أخرجه مسلم (٢ / ٦٨٠) كتاب الزكاة : باب إثم مانع الزكاة (٢٤ / ٩٨٧) والبيهقي (٤ / ٨٢) والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٣١١).
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨٨) وأخرجه الطبري (٦ / ٣٥٨).
(٥) انظر المصدر السابق وقد روي مرفوعا عن أبي ذر بلفظ : ما من رجل ترك صفراء ولا بيضاء إلّا كوي بها.
ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٢٠) وعزاه إلى أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وابن مردويه وأخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٥٩).
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٥٩) وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١٠ / ٢٤٣) وقال : رواه أحمد بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح غير شهر بن حوشب وقد وثق.
(٧) أخرجه أحمد (٤ / ١٩٧) والبخاري في «الأدب المفرد» (٢٩٩) من حديث عمرو بن العاص.
وذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (٢ / ٢٤٢) وعزاه لأحمد وابن منيع عن عمرو بن العاص.