جهات إذا كانت المعصية ممّا تتعدّى كمن أعان على ظلم مسلم من قتله أو أخذ ماله.
فإن قيل : لم خصت هذه الأعضاء؟ فالجواب من وجوه :
أحدها : أنّ المقصود من كسب الأموال ، حصول فرح القلب ، فيظهر أثره في الوجه ، وحصول الشبع ينفتح بسببه الجنبان ، ولبس ثياب فاخرة يطرحونها على ظهورهم ، فلمّا طلبوا تزيين هذه الأعضاء الثلاثة ، حصل الكي على الجباه والجنوب والظهور.
وثانيها : أنّ هذه الأعضاء مجوفة وفي داخلها آلات ضعيفة يعظم تألّمها بسبب وصول أدنى أثر إليها ، بخلاف سائر الأعضاء.
وثالثها : قال أبو بكر الوراق : خصت هذه المواضع بالذكر ؛ لأنّ صاحب المال إذا رأى
الفقير قبض جبهته وإذا جلس الفقير بجنبه تباعد عنه وولّى ظهره.
ورابعها : أنهم يكوون على الجهات الأربع ، أمّا من مقدمه فعلى الجبهة ، وأمّا من خلفه فعلى الظهر ، وأما من يمينه ويساره فعلى الجنبين.
قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(٣٧)
قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً) الآية.
«العدّة» مصدر بمعنى «العدد». و (عِنْدَ اللهِ) منصوب به ، أي : في حكمه. و (اثْنا عَشَرَ) خبر «إنّ» ، وقرأ (١) ميسرة عن حفص ، وهي قراءة أبي جعفر «اثنا عشر» بسكون العين مع ثبوت الألف قبلها ، واستكرهت من حيث الجمع بين ساكنين على غير حدّيهما ، كقولهم : «التقت حلقتا البطان» بإثبات الألف من «حلقتا». وقرأ طلحة بسكون الشين (٢) كأنه حمل «عشر» في المذكر على «عشرة» في المؤنث ، و «شهرا» نصب على التمييز ، وهو مؤكّد ؛ لأنه قد فهم ذلك من الأول ، فهو كقولك : عندي من الدّنانير عشرون دينارا. والجمع متغاير في قوله (عِدَّةَ الشُّهُورِ) وفي قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ) [البقرة : ١٩٧] ؛ لأنّ هذا جمع كثرة ، وذاك جمع قلة.
__________________
(١) وهي قراءة ابن القعقاع وهبيرة أيضا.
ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٩١ ، المحرر الوجيز ٣ / ٣٠ ، البحر المحيط ٥ / ٤٠ ـ ٤١ ، الدر المصون ٣ / ٤٦١.
(٢) ينظر السابق.