وإيجابه. قال ابن عباس «إنه اللّوح المحفوظ» (١) وقيل : القرآن.
فصل
قال القرطبيّ (٢) : قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) وهي جمع شهر. فإذا قال الرجل لأخيه : لا أكلمك الشهور ، وحلف على ذلك فلا يكلمه حولا ، قاله بعض العلماء وقيل : لا يكلمه أبدا. قال ابن العربي : وأرى إن لم يكن له نيّة أن يقتضي ذلك ثلاثة أشهر ، لأنّه أقل الجمع الذي يقتضيه صيغة «فعول» في جمع «فعل».
قوله (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) هذه الجملة يجوز فيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون صفة ل : (اثْنا عَشَرَ).
الثاني : أن تكون حالا من الضمير في الاستقرار.
الثالث : أن تكون مستأنفة. والضمير في «منها» عائد على اثنا عشر شهرا ، لأنه أقرب مذكور ، على «الشّهور» والضمير في «فيهنّ» عائد على «الاثني عشر» أيضا. وقال الفرّاء (٣) ، وقتادة : يعود على الأربعة الحرم وهذا أحسن ، لوجهين :
أحدهما : أنه أقرب مذكور. والثاني : أنه قد تقرّر أنّ معاملة جمع القلة غير العاقل معاملة جمع الإناث أحسن من معاملة ضمير الواحدة ، والجمع الكثير بالعكس ، تقول الأجذاع انكسرن ، والجذوع انكسرت ، ويجوز العكس.
فصل
أجمعوا على أنّ هذه الأربعة ثلاثة منها سرد ، وهي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، وواحد فرد ، وهو : رجب ، ومعنى الحرم : أنّ المعصية فيها أشد عقابا ، والطّاعة فيها أشد ثوابا ، والعرب كانوا يعظّمونها حتّى لو لقي الرجل قاتل أبيه لم يتعرّض له.
فإن قيل : أجزاء الزمان متشابهة في الحقيقة ، فما السّبب في هذا التّمييز؟.
فالجواب : هذا المعنى غير مستبعد في الشّرائع ، فإنه ميّز البلد الحرام عن سائر البلاد بمزيد الحرمة ، وميّز يوم الجمعة عن سائر الأيام بمزيد الحرمة ، وميّز يوم عرفة عن سائر الأيام بعبادة مخصوصة ، وميز شهر رمضان عن سائر الشّهور بمزيد حرمة ، وميز بعض ساعات اليوم والليلة بوجوب الصلاة فيها ، وميز ليلة القدر عن سائر الليالي ، وميّز بعض الأشخاص بإعطاء الرّسالة ، فأي استبعاد في تخصيص بعض الشهور بمزيد الحرمة. وفيه فائدة أخرى وهي : أنّ الطباع مجبولة على الظلم والفساد ، وامتناعهم من هذه القبائح على الإطلاق شاقّ عليهم ، فخص تعالى بعض الأوقات وبعض الأماكن بمزيد التعظيم
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨٩).
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٨ / ٨٥.
(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ١ / ٤٣٥.