وقال ابن عبّاس : «قاتلوهم بكليتهم ولا تحابوا بعضهم بترك القتال ، كما أنّهم يستحلّون قتال جميعكم» (١)(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) أي : مع أوليائه الذين يخشونه في أداء الطّاعات والاجتناب عن المحرمات.
واختلفوا في تحريم القتال في الأشهر الحرم ، فقيل : كان محرما ثم نسخ بقوله تعالى (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) أي : فيهن ، وفي غيرهن ، وهو قول قتادة ، وعطاء الخراساني ، والزهريّ وسفيان الثوري ، وقالوا : لأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم غزا هوازن بحنين ، وثقيفا بالطائف ، وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة (٢). وقال آخرون : غير منسوخ. قال ابن جريج «حلف بالله عطاء بن أبي رباح أنّه ما يحلّ للنّاس أن يغزوا في الحرم ، ولا في الأشهر الحرم إلّا أن يقاتلوا فيها ، وما نسخت»(٣).
قوله (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) في «النّسيء» قولان :
أحدهما : أنّه مصدر على «فعيل» من : «أنسأ» ، أي : أخّر ، ك «النذير» من أنذر ، و «النكير» من أنكر ، وهذا ظاهر قول الزمخشري فإنّه قال : «النّسيء : تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر» ، وحينئذ. فالإخبار عنه بقوله «زيادة» واضح ، لا يحتاج إلى إضمار.
وقال الطبريّ : «النّسيء ـ بالهمز ـ معناه : الزيادة» ؛ لأنّه تأخير في المدة ، فيلزم منه الزيادة ، ومنه النّسيئة في البيع ، يقال : أنسأ الله أجله ، ونسأ في أجله أي أخّر وهو ممدود عند أكثر القراء.
الثاني : أنّه «فعيل» بمعنى «مفعول» من نسأه أي : أخّره ، فهو منسوء ، ثم حوّل «مفعول» إلى «فعيل» ، وإلى ذلك نحا أبو حاتم ، والجوهري ـ وهذا القول ردّه الفارسي فإنّه يكون المعنى : إنّما المؤخّر زيادة ، والمؤخّر الشهر ، ولا يكون الشهر زيادة في الكفر ، وأجيب عن هذا بأنّه على حذف مضاف إمّا من الأول ، أي : إنّما إنساء النّسيء زيادة في الكفر ، وإمّا من الثاني ، أي : إنما النسيء ذو زيادة. وقرأ الجمهور «النّسيء» بهمزة بعد الياء ، وقرأ ورش (٤) عن نافع «النسيّ» بإبدال الهمزة ياء وإدغام الياء فيها ، ورويت هذه عن أبي جعفر ، والزهري وحميد ، وذلك كما خفّفوا «برية» و «خطية».
وقرأ السلمي (٥) ، وطلحة ، والأشهب ، وشبل «النّسء» بإسكان السين. وقرأ
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨) عن ابن عباس وذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ٤٢).
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩٠).
(٣) انظر المصدر السابق.
(٤) ينظر : السبعة ص (٣١٤) ، الحجة للقراء السبعة ١ / ١٩١ ـ ١٩٤ ، حجة القراءات ص (٣١٨) ، إعراب القراءات ١ / ٢٤٧ ، النشر ٢ / ٢٧٩ ، إتحاف ٢ / ٩١.
(٥) ينظر : السبعة ص (٣١٤) ، الحجة ١ / ١٩١ ـ ١٩٤ ، إعراب القراءات ١ / ٢٤٧ ، النشر ٢ / ٢٧٩ ، إتحاف ٢ / ٩١.