قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٤٠)
قوله تعالى (١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ) الآية. لمّا ذكر فضائح الكفار عاد إلى التّرغيب في مقاتلتهم.
قال ابن عبّاس : نزلت هذه الآية في غزوة تبوك ، وذلك لأنّه عليه الصلاة والسّلام لمّا رجع من الطائف أقام بالمدينة أمر بجهاد الرّوم وكان ذلك الوقت زمان شدة الحر ، حين طابت ثمار المدينة ، واستعظم النّاس غزو الرّوم وهابوه ، وكان ذلك في حر شديد ، وسفر بعيد ، ومفاوز ، وعدو كثير ، وذلك حين طابت ثمار المدينة ، وظلالها فأمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم ، فشقّ عليهم الخروج ، وتثاقلوا ، فنزلت هذه الآية (٢).
ومعنى : (إِذا قِيلَ لَكُمُ) أي : قال لكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم «انفروا» اخرجوا ، واسم القوم الذين يخرجون النفير.
قوله : «اثّاقلتم» أصله «تثاقلتم» فلمّا أريد الإدغام سكنت الثّاء فاجتلبت همزة الوصل كما تقدّم في (فَادَّارَأْتُمْ) [البقرة : ٧٢] ، والأصل : «تدارأتم». وقرأ (٣) الأعمش «تثاقلتم» بهذا الأصل و «ما» في قوله : (ما لَكُمْ) استفهامية ، وفيها معنى الإنكار.
وقيل : فاعله المحذوف هو الرسول ، و «اثّاقلتم» ماضي اللّفظ ، مضارع المعنى ، أي : تتثاقلون ، وهو في موضع الحال ، وهو عامل في الظّرف ، أي : ما لكم متثاقلين وقت القول.
وقال أبو البقاء (٤) : «اثّاقلتم : ماض بمعنى المضارع أي : ما لكم تتثاقلون ، وهو في
__________________
(١) ثبت في أ :
تم الجزء بحمد الله وعونه وتوفيقه ، ويليه الجزء الأخير من أوّل يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله ... سورة براءة وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩٢) والرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ٤٨).
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٧١ ، المحرر الوجيز ٣ / ٣٤ ، البحر المحيط ٥ / ٤٣ ، الدر المصون ٣ / ٤٦٤.
(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ١٥.