على الحوض» (١). قال الحسين بن الفضل «من قال إنّ أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله فهو كافر ؛ لإنكاره نص القرآن ، وفي سائر الصحابة إذا أنكر يكون مبتدعا لا كافرا» (٢).
فإن قيل : إنّ الله تعالى وصف الكافر بكونه صاحبا للمؤمن في قوله : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ) [الكهف : ٣٧].
فالجواب : أنّ هناك وإن وصفه بكونه صاحبا إلّا أنّه أردفه بما يدلّ على الإهانة والإذلال وهو قوله : «أكفرت»؟ أمّا ههنا فبعد أن وصفه بكونه صاحبا ذكر بعده ما يدل على الإجلال والتعظيم وهو قوله : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) فأيّ مناسبة بين البابين؟.
روي أنّ قريشا لمّا بيّتوا على قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر أول الليل إلى الغار ، وأمر عليّا أن يضطجع على فراشه ، ليمنعهم السواد من طلبه ، جعل أبو بكر يمشي ساعة بين يديه ، وساعة خلفه ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما لك يا أبا بكر؟ فقال : أذكر الطلب ؛ فأمشي خلفك ، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك ؛ فلما انتهيا إلى الغار دخل أبو بكر أولا ، يلتمس ما في الغار ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ما لك؟ فقال بأبي أنت وأمّي ، الغيران مأوى السّباع والهوام ، فإن كان فيه شيء كان بي لا بك وكان في الغار حجر ، فوضع عقبه عليه ، لئلا يخرج ما يؤذي الرسول ، فلما طلب المشركون الأثر وقربوا ، بكى أبو بكر خوفا على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، فقال عليه الصلاة والسّلام «لا تحزن إنّ الله معنا» فقال أبو بكر : إنّ الله لمعنا ، فقال الرسول «نعم» فجعل يمسح الدموع عن خدّه ، ولم يكن حزن أبي بكر جبنا منه ، وإنّما كان إشفاقا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال : إن أقتل فأنا رجل واحد ، وإن قتلت هلكت الأمة.
وروي أنّ الله تعالى بعث حمامتين فباضتا في أسفل باب الغار ، والعنكبوت نسجت عليه وقال رسول الله «اللهمّ أعم أبصارهم» فجعلوا يترددون حول الغار ولا يرون أحدا.
فصل
دلّت هذه الآية على فضيلة أبي بكر رضي الله عنه من وجوه :
أحدها : أنّه عليه الصلاة والسّلام لمّا ذهب إلى الغار كان خائفا من الكفار أن يقتلوه ، فلو لا أنه عليه الصلاة والسّلام كان قاطعا بأنّ أبا بكر من المؤمنين المحقين الصادقين الصّديقين ، وإلا لما أصحبه نفسه في ذلك ؛ لأنه لو جوز أن يكون باطنه بخلاف
__________________
(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٥٧٢) كتاب المناقب : باب في مناقب أبي بكر وعمر حديث (٣٦٧٠) والطبراني (١١ / ٤٠٠) والبغوي في شرح السنة (٧ / ١٨١) من طريق كثير النواء عن جميع بن عمير عن ابن عمر وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٣٣) وعزاه إلى ابن شاهين والدار قطني وابن مردويه وابن عساكر.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩٣).