الإشكال : انّه لو كانت العصمة بهذا المعنى تفضّلًا من الله سبحانه وتعالى على الأنبياء والرسل والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين ، أو كان تفضّله سبحانه وتعالى دخيلًا في حصولها لهم ، لما كان إعطاؤها لهم موجباً لعلوّ مرتبتهم وامتيازهم عن سائر البشر ، إذ لو أُعطيت لغيرهم لكانوا مثلهم أيضاً في هذه المزية.
ولو لم تكن تفضلًا من الله سبحانه ، فلما ذا اختصّت بالأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السّلام)؟
الجواب : إن المرتبة العالية من الروح الإنسانية وإن كانت هذه المرتبة أمراً من الأُمور التشكيكة (١) أيضاً قد أُعطيت لهم من قبل الله سبحانه ، بحيث يمتاز خلقهم وأصل نشأتهم عن خلق سائر الناس ، وذلك بعد علم الله السابق على خلقهم بأنّهم أهل لهذه المرتبة العليا ، حيث كان اصطفاؤه لهم لعلمه سابقاً بأنّه لو لم يعطهم ذلك لكانوا ممتازين أيضاً عن سائر الناس مطلقاً ، أو بالإضافة إلى أهل زمانهم في الانقياد والطاعة والبعد عن المعصية ، على اختلاف درجاتهم ، لهذا خصهم بهذا التفضل كما هو مقتضى الحكمة الإلهية كرامةً ولطفاً لعباده المصطفين الأخيار ، ويفصح عن ذلك الاصطفاء جملة من الآيات والروايات ، كقوله سبحانه وتعالى
__________________
١) المراد من الأمر التشكيكي أو الأمر المشكّك هو الكلي المتفاوتة أفراده في صدق مفهومه عليها ، كالبياض مثلاً ، فإنّه مفهوم كلي ينطبق على بياض الثلج وبياض القرطاس ولكن بياض الثلج أشدّ من بياض القرطاس مع أنّ كليهما بياض ، ويقابله الكلي المتواطئ فإنه المتواقفة أفراده فيه كالإنسان بالنسبة إلى أفراده فإنّهم متساوون في الانسانية من غيره ، نعم ربّما يختلفون في صفات أخرى كالطول واللون والقوة .... وغير ذلك.
فالمرتبة العالية من الانسانية ذات مراتب ودرجات متفاوتة ، فلهذا كانت أمراً مشكّكا ، فربّما ينال بعضهم الدرجة العليا منها وآخر ينال الوسطى وهكذا ...