كما روي عن الإمام الرضا (عليه السّلام) في المجلس الحواري الذي عقده المأمون لاجتماع الإمام (عليه السّلام) بأصحاب الفكر من جميع الديانات ، فأسكتهم الإمام (عليه السّلام) جميعاً ، وإليك مقطع الشاهد من الرواية :
«.. فلم يقم أحد إلَّا وقد ألزم حجّته كأنّه قد أُلقم حجراً ، فقام إليه علي بن محمد بن الجهم ، فقال له : يا بن رسول الله ، أتقول بعصمة الأنبياء؟
قال : بلى.
قال : فما تعمل في قوله الله عز وجل (وعَصى آدَمُ رَبَّه) ..؟
فقال مولانا الرضا (عليه السّلام) : ويحك يا علي! اتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ، ولا تتأول كتاب الله برأيك ، فإن الله عز وجل يقول (وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَه إِلَّا الله والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (١) ؛ أما قوله عز وجل في آدم (عليه السّلام) (وعَصى آدَمُ رَبَّه فَغَوى) ، فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفته في بلاده ، لم يخلقه للجنة ، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض لتتم مقادير أمر الله عز وجل ، فلما أُهبط إلى الأرض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عز وجل (إِنَّ الله اصْطَفى آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) ..» (٢).
ولعل قائلًا يقول : إن هذا الالتزام مخالف للدليل العقلي الدال على عصمة الأنبياء (عليهم السّلام) جميعهم من أول أمرهم.
فنقول له : إن ملاك عصمة الأنبياء هو أن لا يقع الناس في الشك من أمرهم ، إذ لو كان النّبي يفعل المعاصي في مبدأ أمره بمرأى ومسمع من قومه لما كان لأمره ونهيه تأثير في نفوسهم ، ولحصل لهم الشك في دعوته ، فتبطل الحكمة من نبوته ، وهذا المحذور غير جار على آدم (عليه السّلام) في الجنة ؛ لعدم الموضوع حينئذ.
__________________
١) سورة آل عمران : الآية ٧.
٢) البحار : ج ١١ ، ص ٧٢ ، نقلاً عن الأمالي للصدوق.