تَلَهَّى) ظاهر في أنّ الشخص المعهود من طبعه الصدود والإعراض عن المؤمنين وهو مخالف صريح لقوله تعالى حديثاً عن النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْه ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ، بل لازم صدور الصدود من النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) عن المؤمنين هو المعصية لأنّه مأمور باستقبالهم والتواضع لهم في قوله تعالى (واخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
مفهوم الآية (ولَقَدْ هَمَّتْ بِه وهَمَّ بِها)
إذا نظرت إلى امرأة بشوق وميل نفسي ، فهل هذا جائز لي أو لا؟ إذا كان الجواب أنّه لا يجوز لي ذلك ، فكيف لنا أن نجوزه للنبي المعصوم (عليه السّلام) ، كما حاول بعضهم تفسير ما ورد في حق النبي يوسف (عليه السّلام) بذلك في الآية المباركة (ولَقَدْ هَمَّتْ بِه وهَمَّ بِها)؟ هل المقصود من الشوق والميل النفسي الوارد في النص المتقدم هو النظر بشهوة وريبة أم ماذا؟
باسمه تعالى معتقد الإمامية أنّ العصمة هي أن يكون لدى النبيّ أو الإمام حد من العلم بعواقب المعصية وأثرها السيئ بحيث يمتنع عن فعلها ولا يرغب فيها ولا يميل إليها أصلًا مع قدرته على ارتكابها ؛ فمثلًا الإنسان العادي إذا أدرك إضرار شرب البول فإنّه كما يمتنع عنه باختياره فكذلك يعرض عنه إعراضاً تاماً بحيث لا يميل ولا يرغب فيه ، لعلمه بخبثه وقذارته مع قدرته على شربه ، وكذلك العصمة ، فإنّ المعصوم كما أنّه لا يقدم على المعصية فإنّه لا تنقدح في نفسه الشريفة رغبة فيها ولا ميل إليها ؛ لعلمه بخبثها وقذارتها. وأمّا المقصود بقوله تعالى (ولَقَدْ هَمَّتْ بِه وهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّه) فهو أنّ الإغراء الَّذي حصل ليوسف (عليه السّلام) مقتضٍ للميل والهم والرغبة ، إلا أنّ يوسف (عليهم السّلام) لمّا كان متحلياً بنور العصمة ومطَّلعاً على برهان ربّه من أول أمره ، لم يقدم على المعصية ولم يقع في نفسه همّ ولا ميل إليها ؛ لأنّ أصل الهم كان معلقاً على عدم رؤية برهان ربّه الذي هو نور العصمة ، والله الهادي للصواب.