وقد يجاب عن ذلك بأنّ النّسيان قد يكون بمعنى التّرك ، فلما ترك ذكر الله ، ودعاه الشّيطان إلى ذلك ، عوقب.
وأجيب عن هذا الجواب بقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) ، فدلّ على أن النّاسي هو السّاقي لا يوسف ، مع قوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) ، فكيف يصحّ أن يضاف نسيانه إلى الشيطان ، وليس له على الأنبياء سلطان؟.
وأجيب عن هذا بأن النسيان لا عصمة للأنبياء عنه ، إلّا في وجه واحد وهو الخبر من الله تعالى ، فيما يلقّونه ؛ فإنّهم معصومون فيه ، وإذا وقع منهم النسيان حيث يجوز وقوعه ، فإنّه ينسب إلى الشيطان ؛ وذلك إنّما يكون فيما أخبر الله عنهم ، ولا يجوز لنا نحن ذلك فيهم ، قالعليهالسلام : «نسي آدم فنسيت ذريته» وقال : «إنّما أنا بشر ، أنسى كما تنسون».
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وعليه الأكثرون : «أنسى الشيطان يوسف ذكر ربّه ؛ حتّى ابتغى الفرج من غيره ، واستعان بمخلوق ؛ وتلك غفلة عرضت ليوسف من الشّيطان»(١).
«فلبث» : مكث «في السّجن بضع سنين» قال صلىاللهعليهوسلم : «يرحم الله أخي يوسف ؛ لو لم يقل : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ؛ ما لبث في السّجن» (٢) ، ومما يدلّ على أنّه المراد قوله (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) ولو كان المراد الساقي لقال فأنساه الشيطان ذكر يوسف (٣). واعلم أنّ الاستعانة بغير الله في دفع الظلم ، جائزة في الشريعة ، لا إنكار عليه.
وإذا كان كذلك ، فلم صار يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ مؤاخذا بهذا القدر؟ وكيف لا يصير مؤاخذا بالإقدام على الزّنا؟ ومكافأة الإحسان بالإساءة [أولى]؟.
فلما رأينا الله أخذ يوسف بهذا القدر ، ولم يؤاخذه في تلك القضية ألبتّة ، وما عابه ، بل ذكره بأعظم وجوه المدح والثناء ـ علمنا أنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان مبرّأ ممّا نسبوه إليه.
فصل في اشتقاق البضع وما يدل عليه
قال الزجاج (٤) : «اشتقاق البضع من بضعت بمعنى قطعت».
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٢١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٧) وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات والطبراني وابن مردويه.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٧) وعزاه إلى أحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن الحسن مرسلا.
وذكره أيضا عن أبي هريرة وعزاه إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
(٣) سقط من : ب.
(٤) ينظر : معاني القرآن للزجاج ٣ / ١١٢.