الماضي وضمها في الغابر ـ حلما ، وحلما : مثقل ، ومخفف.
قوله تعالى : «بتأويل» الباء متعلقة ب «عالمين» ، والباء في «بعالمين» لا تعلق لها ؛ لأنها زائدة إمّا في خبر الحجازيّة أو التّميميّة ، وقولهم ذلك يحتمل أن يكون نفيا للعلم بالرؤيا مطلقا ، وأن يكون نفيا للعلم بتأويل الأضغاث منها خاصة دون المنام الصّحيح.
وقال أبو البقاء : أي : بتأويل أضغاث الأحلام لا بد من ذلك ؛ لأنّهم لم يدّعوا الجهل [بتعبير](١) الرؤيا انتهى.
وقوله «الأحلام» وإنّما كان واحدا ، قال الزمخشريّ : «كما تقول : فلان يركب الخيل ، ويلبس عمائم الخزّ ، لمن لا يركب إلا فرسا واحدا ، ولا يتعمّم إلّا بعمامة واحدة تأكيدا في الوصف ، ويجوز أن يكون قصّ عليهم مع هذه الرؤيا غيرها».
والتّأويل : هو ما يئول الشيء إليه ، أي : يرجع الشيء إليه ، ومنه تأوّل وهو معنى التفسير ؛ لأنّ التأويل تفسير اللفظ الراجع إلى المعنى.
فصل
اعلم أنه ـ سبحانه وتعالى ـ جعل هذه الرؤيا سببا لخلاص يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من السّجن ؛ وذلك أنّ الملك لمّا رأى ذلك ، قلق واضطرب بسببه ؛ لأنه شاهد أن الناقص الضّعيف استولى على الكامل ، فشهدت فطرته بأن هذا أمر عداوة ومقدّر بنوع من أنواع الشرّ ، إلا أنه ما عرف كيفية الحال فيه.
والشيء إذا صار معلوما من وجه ، وبقي مجهولا من وجه آخر ـ عظم شوق النفس إلى تمام تلك المعرفة ، وقويت المعرفة في إتمام الناقص لا سيّما إذا كان الإنسان عظيم الشّأن ، واسع المملكة ، وكان ذلك الشيء دالّا على الشرّ من بعض الوجوه ، فبهذا الطريق قوّى الله داعية ذلك الملك في تحصيل العلم ، بتفسير هذه الرؤيا ، وأنه ـ تعالى ـ عجّز المعبّرين الحاضرين عن جواب هذه المسألة ؛ ليصير ذلك سببا لخلاص يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ من تلك المحنة.
واعلم أنّ القوم ما نفوا عن أنفسهم كونهم عالمين بعلم التعبير ؛ بل قالوا إنّ علم التعبير على قسمين :
منه ما يكون الرؤيا فيه منتظمة ، فيسهل الانتقال من الأمور المتخيلة إلى الحقائق العقلية.
ومنه ما يكون مختلطا مضطربا ، ولا يكون فيه ترتيب معلوم ، وهو المسمّى بالأضغاث.
__________________
(١) في ب : بتأويل.