أحدها : وهو قول سيبويه (١) : أنه منصوب بفعل محذوف ، تقديره : تدأبون دأبا.
والثاني : وهو قول أبي العبّاس ـ رضي الله عنه ـ : أنه منصوب ب «تزرعون» ؛ لأنه من معناه ، فهو من باب : قعدت القرفصاء.
وفيه نظر ؛ لأنه ليس نوعا خاصّا به بخلاف القرفصاء مع القعود.
والثالث : أنه مصدر واقع موقع الحال ، فيكون فيه الأوجه المعروفة ، إما للمبالغة وإما وقوعه موقع الصّفة ، وإما على حذف مضاف ، أي : دائبين أو ذوي دأب ، أو جعلهم نفس الدّأب ؛ مبالغة.
وقد تقدم الكلام على الدّأب في «آل عمران» عند قوله ـ عزوجل ـ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) [آل عمران : ١١].
قوله : (فَما حَصَدْتُمْ) ، ما : يجوز أن تكون شرطيّة أو موصولة.
قوله : (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) أمرهم بترك الحنطة في السنبل ؛ لتكون أبقى على الزمان ، ولا تفسد.
قوله : (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) ، أي : تدرسون قليلا ؛ للأكل ، أمرهم بحفظ الأكثر ، والأكل قدر الحاجة.
وقرأ أبو عبد الرحمن (٢) يأكلون بالغيبة ، أي : الناس ، ويجوز أن يكون التفاتا.
فصل
قال القرطبيّ : «هذه الآية أصل في القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ للأديان ، والنفوس ، والعقول والأنساب ، والأموال ، فكل ما يضمن تحصيل شيء من هذه الأمور ، فهو مصلحة ، وكل ما يفوت شيئا منها ، فهو مفسدة ؛ ودفعه مصلحة ، ولا خلاف أنّ مقصود (٣) الشرائع إرشاد النّاس إلى مصالحهم الدّنيويّة ، ليحصل لهم التمكن من معرفة الله تعالى ، وعبادته [الموصلتين](٤) إلى السعادة الأخرويّة ، ومراعاة ذلك فضل من الله ورحمة».
قوله تعالى : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ) حذف المميز ، وهو الموصوف ؛ لدلالة ما تقدّم عليه ، ونسب الأكل إليهن ، مجازا ؛ كقوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] لمّا كان الأكل ، والإبصار فيهما ، جعلا كأنهما واقعان منهما ، مبالغة.
و «الشّداد» : الصّعاب التي تشتدّ على الناس ؛ فلذلك سمّى السنين المجدبة شدادا.
__________________
(١) ينظر : الكتاب ١ / ١٩١ ـ ١٩٢.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣١٤ ، الدر المصون ٤ / ١٨٩.
(٣) في ب : إن المقصود من.
(٤) في ب : المؤهلين.