العقل ، والصّبر ، والثبات ؛ وذلك [يكون](١) سببا لاعتقاد البراءة فيه عن جميع أنواع التهم ، وأن يحكم بأنّ كلّ ما قيل فيه ، كان كذبا.
الثالث : أن التماسه من الملك أن يفحص عن حاله من تلك النسوة ، يدل ـ أيضا ـ على شدّة طهارته ، إذ لو كان ملوثا بوجه ما ، لكان يخاف أن يذكر ما سبق.
الرابع : أنه قال للشّرابي : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) فبقي بسبب هذه الكلمة في السجن [بضع](٢) سنين ، وهنا طلبه الملك فلم يلتفت إليه ، ولم يقم لطلبه وزنا ، واشتغل بإظهار براءته من التّهمة ، ولعلّه كان غرضه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من ذلك ألّا يبقى في قلبه (٣) التفات إلى ردّ الملك وقبوله ، وكان هذا العمل جاريا مجرى التّلافي ، لما صدر منه من التوسّل إليه ، في قوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ، وليظهر هذا المعنى لذلك الشرابي ؛ فإنه هو الذي كان واسطة في الحالين معا.
قوله (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ) قرأ ابن كثير (٤) ، والكسائي : «فسله» ، بغير همز ، والباقون : بالهمز ؛ وهما لغتان.
والعامة على كسر نون «النّسوة» ، وضمها عاصم (٥) في رواية أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ وليست بالمشهورة ، وكذلك قرأها أبو حيوة.
وقرىء «اللّائي» (٦) بالهمز ، وكلاهما جمع ل «الّتي» ، «والخطب» : الأمر والشّأن الذي فيه خطر ؛ وأنشد : [الطويل]
٣١١٥ ـ وما المرء ما دامت حشاشة نفسه |
|
بمدرك أطراف الخطوب ولا آل (٧) |
وهو في الأصل مصدر : خطب يخطب وإنّما يخطب في الأمور العظام.
فصل ما في الآية من لطائف
أولها : أنّ المعنى ؛ قوله تعالى (فَسْئَلْهُ) سل الملك (ما بالُ النِّسْوَةِ) ليعلم براءتي من تلك التهمة إلا أنّه اقتصر على سؤال الملك عن تلك الواقعة ؛ لئلّا يشتمل اللفظ على ما يجري مجرى أمر الملك بعمل أو فعل.
وثانيها : أنّه لم يذكر سيدته مع أنها التي سعت في إلقائه في السجن الطويل ، بل اقتصر على ذكر سائر النسوة.
وثالثها : أنّ الظاهر أن أولئك النسوة نسبنه إلى عمل قبيح عند الملك ، فاقتصر
__________________
(١) في ب : يصير.
(٢) في ب : سبع.
(٣) سقط من : ب.
(٤) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٤٩.
(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٥٢ والبحر المحيط ٥ / ٣١٦ والدر المصون ٤ / ١٩١.
(٦) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٩١.
(٧) تقدم.