يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ على مجرّد قوله : (ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) ، وما شكى منهن على سبيل التّعيين ، والتفصيل.
ثم قال يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ (إنّ ربي بكيدهن عليم).
وفي المراد بقوله «إنّ ربّي» وجهان :
أحدهما : أنه هو الله ـ تعالى ـ فإنه هو العالم بخفيّات الأمور.
والثاني : المراد به الملك ، وجعله ربّا ؛ لكونه مربّيا ، وفيه إشارة إلى كون ذلك الملك عالما بمكرهنّ وكيدهنّ.
واعلم أنّ كيدهن في حقه يحتمل وجوها :
أحدها : أنّ كل واحدة منهن طمعت فيه ، فلما لم يجدن المطلوب أخذن يطعن فيه ، وينسبنه إلى القبيح.
وثانيها : لعلّ كلّ واحدة منهن بالغت في ترغيب يوسف في موافقته سيدته على مرادها ، ويوسف علم أنّ مثل هذه الخيانة في حقّ السّيّد المنعم لا تجوز.
وأشار بقوله : (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) إلى مبالغتهنّ في الترغيب في تلك الخيانة.
وثالثها : أنه استخرج منهنّ وجوها من المكر والحيل في تقبيح صورة يوسف عند الملك ، فكان المراد منهن اللفظ ذلك.
ثم إنه ـ تعالى ـ حكى أنّ يوسف عليهالسلام لما التمس من الملك ذلك ، أمر الملك بإحضارهنّ ، وقال لهنّ : «ما خطبكنّ» : ما شأنكنّ ، وأمركنّ (إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) ، وفيه وجهان :
الأول : أن قوله : (إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ) ، وإن كان صيغة جمع ، فالمراد منها الواحد ؛ كقوله ـ جلّ ذكره : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران : ١٧٣].
والثاني : أنّ المراد منه خطاب الجماعة ، ثم هاهنا وجهان :
الأول : أنّ كلّ واحدة منهنّ راودت يوسف عن نفسه.
والثاني : أنّ كلّ واحدة منهنّ راودت يوسف ؛ لأجل امرأة العزيز ، فاللفظ محتمل لكل هذه الوجوه.
وعند هذا السؤال (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) ، وهذا كالتأكيد ؛ لما ذكرنا في أوّل الأمر في حقه ، وهو قولهنّ : «ما هذا بشرا إن هذا إلّا ملك كريم».
وقوله (إِذْ راوَدْتُنَّ) ، هذا الظرف منصوب ب «خطبكنّ» ؛ لأنه في معنى الفعل إذ المعنى : ما فعلتنّ ، وما أردتنّ به في ذلك الوقت.
وكانت امرأة العزيز حاضرة ، وكانت تعلم أن هذه المناظرات ، والتفحصات ، إنما