تكذيب ما رووه عنه بأنّه جلس منها موضع الرجل من امرأته ؛ وهو عين الإيمان بالحقّ.
واعلم أنّ لفظ الخير قد يستعمل لكون أحد الخيرين أفضل من الآخر ؛ كما يقال : الجلاب خير من الماء ، وقد يستعمل لبيان كونه في نفسه خيرا من غير أن يكون المراد منه بيان التفضيل ؛ كما يقال : «الثّريد خير من عند الله ـ تعالى ـ».
يعني : الثّريد خير من الخيرات حصل من الله.
وإذا ثبت هذا فنقول : قوله : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) إن حملناه على الوجه الأوّل ، لزم أن تكون ملاذّ الدنيا موصوفة بالخيرية أيضا ، وإذا حملت على الوجه الثاني ، لزم أن يقال : منافع الآخرة خيرات ، ولا شكّ أن قوله ـ تعالى ـ : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) ، شرح حال يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ ووجب أن يصدق في حقه أنّه من (الذين آمنوا وكانوا يتقون) ، وهذا تنصيص من الله ـ عزوجل ـ أنه كان في الزمن السّابق من المتقين ، وليس هاهنا زمن سابق ليوسف يحتاج إلى أنه كان فيه من المتّقين ، إلّا الوقت الذي قاله الله فيه: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) ، فكان هذا شهادة من الله تعالى ـ على أنّه ـ عليهالسلام ـ كان في ذلك الوقت من المتّقين.
وأيضا : قوله تعالى : (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) شهادة من الله ـ عزوجل ـ أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من المحسنين ، وقوله : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وكل هذه التأكيدات تبطل ما رووه عنه ، والله أعلم.
فصل
قال القاضي رحمهالله : قوله : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) يدلّ على بطلان قول المرجئة الذين يزعمون أنّ الثواب يحصل في الآخرة لمن لم يتّق الكبائر.
وهذا ضعيف ؛ لأنا إن حملنا لفظ «خير» على التّفضيل ، لزم أن يكون الثّواب الحاصل للمتقين أفضل ، ولا يلزم ألا يحصل لغيرهم أصلا ، وإن حملناه على أصل معنى الخير ، فهذا يدلّ على حصول هذا الخير للمتقين ، ولا يدلّ على أنّ غيرهم لا يحصل له هذا الخير ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) (٦١)
قوله : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) الآية.
وروي أنّ يوسف ـ عليهالسلام ـ لا يشبع من طعام في تلك الأيّام ؛ فقيل له :