واحد ، وهو شيخ صدّيق يقال له يعقوب نبيّ من أنبياء الله ـ تعالى ـ.
قال : كم أنتم؟ قالوا : كنّا اثني عشر ، هلك منّا واحد ، وبقي واحد مع الأب ؛ يتسلّى به عن ذلك الولد الذي هلك ، ونحن عشرة.
قال : فمن يعلم أنّ الذي تقولونه حق؟.
قالوا : أيّها الملك : إننّا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد.
قال : فدعوا بعضكم عندي ؛ رهينة ، وائتوني بأخ لكم ، ليبلغ لكم رسالة أبيكم إن كنتم صادقين.
فعند هذا أقرعوا بينهم ؛ فأصابت القرعة شمعون ، وكان أحسنهم رأيا في يوسف ، فخلفوه عنده.
ثم إنه ـ تعالى ـ حكى عنه أنّه قال : (ألا ترون أني أوفي الكيل) ، أي : أوفّيه ، ولا أبخسه ، وأزيدكم حمل بعير ؛ لأجل أخيكم.
(وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) أي : خير المضيفين ؛ لأنه أحسن إنزالهم ، وأحسن ضيافتهم.
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله ـ : «وهذا الكلام يضعّف ما نقل عن المفسرين بأنّه اتّهمهم ، ونسبهم إلى أنّهم جواسيس ، ولم يشافههم بذلك الكلام فلا يليق به أن يقول لهم : (ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين) ، وأيضا : بعيد من يوسف ـ مع كونه ـ صديقا ـ أن يقول لهم : أنتم جواسيس وعيون ، مع أنه يعرف براءتهم عن هذه التّهمة ؛ لأن البهتان لا يليق بحال الصديق.
ثم قال (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي) ، أي : ليس لكم عندي طعام أكيله لكم ، (وَلا تَقْرَبُونِ) أي : لا تقربوا داري وبلادي ، وكانوا في نهاية الحاجة إلى الطعام ، وما يمكنهم تحصيله إلّا من عنده ، فإذا منعهم من الحضور ، كان ذلك نهاية التّخويف.
قوله (وَلا تَقْرَبُونِ) يحتمل أن تكون «لا» ناهية ؛ فيكون (تَقْرَبُونِ) مجزوما ، ويحتمل أن تكون لا النافية ، وفيها وجهان :
أحدهما : أن يكون داخلا في حيز الجزاء معطوفا عليه ، فيكون أيضا مجزوما على ما تقدم.
والثاني : أنه نفي مستقل غير معطوف على جزاء الشرط ، وهو خبر في معنى النّهي ؛ كقوله : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) [البقرة : ١٩٢].
فصل
لما سمعوا هذا الكلام من يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ (قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) ، أي : نطلبه ، ونجتهد في أن يرسله معنا ، (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) ما أمرتنا به ، والغرض من التّكرير ؛ التأكيد.