وقيل : (وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) أي : كل ما في وسعنا من هذا الباب.
قوله تعالى : (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٦٤)
قوله تعالى : لفتينه قرأ الأخوان ، وحفص : «لفتيانه» ، والباقون (١) : «لفتيته» قال أبو عليّ الفارسيّ (٢) ـ رحمهالله ـ : «والفتيان جمع كثرة ، والفتية : جمع قلّة ، فالتكثير بالنسبة إلى المأمورين ، والقلة بالنسبة إلى المتناولين ، وفتى : يجمع على فتيان ، وفتية ، وقد تقدّم هل فعلة في الجموع اسم جمع ، أو جمع تكسير ، ومثله «أخ» ؛ فإنه جمع على إخوة وإخوان ؛ وهما لغتان ؛ مثل الصّبيان والصّبية».
فصل
اتفق الأكثرون على أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمر بوضع تلك البضاعة ـ وهي ثمن طعامهم ، في رحالهم بحيث لا يعرفون ذلك.
وقيل : إنّهم كانوا عارفين به.
وهو ضعيف ؛ لقوله : (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
وذكر في السبب الذي لأجله أمر يوسف بوضع بضاعتهم في رحالهم وجوها :
أولها : أنّهم إذا فتحوا المتاع ، فوجدوا بضاعتهم فيه ؛ علموا أنّ ذلك كرم من يوسف ؛ فيبعثهم ذلك على العود إليه.
وثانيها : خاف ألّا يكون عندهم غيره ؛ لأنّه زمان قحط.
وثالثها : رأى أنّ أخذ ثمن الطّعام من أبيه ، وإخوته ـ مع شدة حاجتهم إلى الطعام ـ لؤم.
ورابعها : قال الفراء ـ رحمهالله ـ : إنّهم متى شاهدوا بضاعتهم في رحالهم ؛ فيحسبوا أنّ ذلك وقع سهوا ، وهم أنبياء وأولاد أنبياء ؛ فيحملهم ذلك على رد البضاعة ؛ نفيا للغلط ولا يستحلّون إمساكها.
وخامسها : أراد أن يحسن إليهم على وجه لا يلحقهم منه عتب ، ولا منّة.
__________________
(١) ينظر : الحجة ٤ / ٤٣٠ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣١٢ وحجة القراءات ٣٦١ والإتحاف ٢ / ١٥٠ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٥٩ والبحر المحيط ٥ / ٣٢٠ والدر المصون ٤ / ١٩٣.
(٢) ينظر : الحجة ٤ / ٤٣٠.