ومن يتأول : «زيد عدل» على المبالغة أو على حذف مضاف ، أو على وقوع المصدر موقع الوصف يجيز في «حفظا» أيضا الحاليّة بالتأويلات المذكورة ، وفيه تعسّف.
وقرأ أبو (١) هريرة : «خير الحافظين ، وأرحم الرّاحمين» قيل : معناه : وثقت بكم في حفظ يوسف ، فكان ما كان ، والآن أتوكّل على الله في حفظ بنيامين.
فإن قيل : لم بعثه معهم وقد شاهد ما شاهد؟.
فالجواب من وجوه :
الأول : أنهم كبروا ، ومالوا إلى الخير والصّلاح.
والثاني : أنّه كان يشاهد أنّه ليس بينهم وبين بنيامين من الحسد ، والحقد مثل ما كان بينهم وبين يوسف ـ عليهالسلام ـ.
والثالث : أن ضرورة القحط أحوجته إلى ذلك.
والرابع : لعلّه ـ تعالى ـ أوحى إليه ، وضمن له حفظه ، وإيصاله إليه ، فإن قيل : هل يدلّ قوله : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) على أنّه أذن في ذهاب بنيامين في ذلك الوقت.
فقال الأكثرون : يدلّ عليه. وقال آخرون : لا يدل عليه ، وفيه وجهان :
الأول : أنّ التقدير : أنّه لو أذن في خروجه معهم ، لكان في حفظ الله ـ تعالى ـ لا في حفظهم.
الثاني : لما ذكر يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال : (فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً) أي: ليوسف ؛ لأنه كان يعلم أنه حيّ.
قوله تعالى : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)(٦٧)
قوله تعالى : (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ) الآية ، المتاع : ما يصلح لأن يستمتع به ، وهو عامّ في كلّ ما يستمتع به ، والمراد به ههنا : الطعام الذي حملوه ، ويجوز أن يراد به أوعية الطعام ، (وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ) ، ثمن البضاعة.
(رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) ؛ قرأ الأكثرون بضمّ الراء ، وقرأ علقمة ويحيى (٢) ، والأعمش :
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٨٦ والبحر المحيط ٥ / ٣٢٠.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٦٠ والبحر المحيط ٥ / ٣٢١ والدر المصون ٤ / ١٩٥.