قال شهاب الدّين (١) ـ رحمهالله ـ : «الظّاهر من هذا أنه استثناء مفرغ ، ومتى كان مفرغا وجب تأويله بالنفي».
ومنع ابن الأنباري ذلك في «أن» وفي «ما» أيضا ، قال : «فيجوز أن تقول : خروجنا صياح الدّيك ، ولا يجوز : خروجنا أن يصيح الدّيك ، أو ما يصيح الديك. فاغتفر في الصريح ما لم يغتفر في المؤوّل ، وهذا قياس ما تقدم في منع وقوع أن وما في حيّزها موقع الحال ، ولك أن تفرق بينهما بأنّ الحال تلزم التنكير ، و «أن» وما في حيزها نصّوا على أنها في رتبة المضمر في التعريف ، وذلك يغني عن وقوعها موقع الحال ، بخلاف الظّرف ، فإنه لا يشترط تنكيره ، فلا يمتنع وقوع «أن» وما في حيزها موقعه».
فصل
قال الواحديّ : للمفسرين في الإحاطة قولان :
الأول : معناه الهلاك. قال مجاهد : إلّا أن تموتوا كلكم فيكون ذلك عذرا عندي ، والعرب تقول : أحيط بفلان إذا قرب هلاكه (٢).
قال الزمخشري (٣) : قال تعالى : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) [الكهف : ٤٢] أي أصابه ما أهلكه ، وقال تعالى : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢] ، وأصله ؛ أنّ من أحاط به العدوّ ، وانسدت عليه مسالك النجاة ، ودنا هلاكه ؛ فقد أحيط به.
والثاني : قال قتادة : ومعناه إلّا أن تصيروا مغلوبين مقهورين ، لا تقدرون على الرجوع (٤).
(فلماءاتوه موثقهم) ، أي : أعطوه عهدهم. قال يعقوب ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ (اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) أي : شهيد بمعنى شاهد.
وقيل : حافظا ، أي : أنه موكل إليه هذا العهد فإن وفيتم به ، جازاكم خير الجزاء ، وإن غدرتم به ، كافأكم بأعظم العقوبات.
قوله تعالى : (وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ) الآية ، وذلك أنه كان يخاف عليهم العين ؛ لأنّهم كانوا أعطوا جمالا ، وقوة ، وامتداد قامة ، وكانوا ولد رجل واحد ، فأمرهم أن يتفرّقوا في دخولها ؛ لئلا يصابوا بالعين ، فإن العين حقّ ، ويدل عليه وجوه :
الأول : روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّه كان يعوّذ الحسن فيقول : «أعوذ بكلمات الله التّامة من كلّ شيطان وهامّة ، ومن كلّ عين لامّة» (٥).
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٩٧.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٤٨).
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٨٧.
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٣٦).
(٥) أخرجه البخاري (٦ / ٤٧٠) في كتاب الأنبياء باب قول الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا (٣٣٧١) وابن ماجه (٣٥٢٥) وعبد الرزاق في المصنف (٩٢٦٠) وأبو نعيم في الحلية ٤ / ٢٢٩ ، ٢ / ٤٥.