ثم قال : (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) قال الواحدي : «ما» مصدريّة ، والهاء عائدة إلى يعقوب ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أي : وإنّ يعقوب لذو علم من أجل تعليمنا إيّاه ، ويمكن أن تكون بمعنى الذي ، والهاء عائدة إليها أي : وإنه لذو علم للشيء الذي علمناه ، يعني : أنّا لما علمناه شيئا حصل له العلم بذلك الشيء.
والمراد بالعلم : الحفظ ، أي : وإنه لذو حفظ لما علمناه. وقيل : المراد بالعلم : العمل ، أي: وإنه لذو عمل بفوائد ما علمناه.
ثم قال : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) مثل ما علم يعقوب ، لأنهم لم يسلكوا طريق إصابة العلم.
وقيل : لا يعلمون أنّ يعقوب بهذه الصّفة.
وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : لا يعلم المشركون ما ألهم الله [أولياءه (١)](٢).
فالمراد ب : «أكثر النّاس» المشركون.
قوله تعالى : (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٦٩)
قوله تعالى : (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ) قالوا : هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به قد جئنا به ، فأكرمهم ، وأحسن إليهم ، وأجلس كل اثنين على مائدة ، فبقي بنيامين وحده ، فقال : لو كان أخي يوسف حيّا لأجلسني معه فقال يوسف : بقي أخوكم وحيدا ؛ فأجلسه معه على مائدته ؛ فجعل يؤاكله فلما كان اللّيل أمر لهم بمثل ذلك ؛ فأمر أن ينزل كل اثنين منهم بيتا ، وقال : هذا لا ثاني له آخذه معي ، فآواه إليه ، فلمّا خلا به قال : ما اسمك؟ قال : بنيامين قال : وما بنيامين؟ قال : ابن المثكل. وذلك أنّه لما ولد ؛ هلكت أمّه ، قال : وما اسم أمك ، قال راحيل بنت لاوي ، فلمّا رأى تأسّفه على أخ له هلك ، فقال له أتحبّ أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال : ومن يجد أخا مثلك ، ولكنّك لم يلدك يعقوب ولا راحيل ، فبكى يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ، وسار إليه [وعانقه](٣).
و : (قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) قال وهب : لم يرد أنه أخوه من النّسب ، وإنّما أراد به : إني أقوم لك مقام أخيك في الإيناس ، لئلا تستوحش بالانفراد.
والصحيح : ما عليه سائر المفسّرين من أنّه أراد تعريف النّسب ؛ لأنّ ذلك أقوى في إزالة الوحشة ، وحصول الأنس ، والأصل في الكلام الحقيقة.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٣٨).
(٢) سقط من : ب.
(٣) في أ : واعتنقه.