(فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) قال أهل اللغة : تبتئس : تفتعل من البؤس وهو الضّرر والشّدة ، والابتئاس : اجتلاب الحزن والبؤس.
وقوله : (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) من إقامتهم على حسدنا ، والحرص على انصراف وجه أبينا عنّا.
وقال ابن إسحاق وغيره : «أخبره بأنّه أخوه حقيقة ، واستكتمه ، وقال له : لا تبالي بكلّ ما تراه من المكروه في تحيلي في أخذك منهم».
وعلى هذا التّأويل يحتمل أن يشير بقوله : (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) إلى ما يعمله فتيان يوسف من أمر السّقاية ، ونحو ذلك.
وقيل : إنّ يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ما بقي في قلبه شيء من العداوة وصار صافيا لإخوته ؛ فأراد أن يجعل قلب أخيه صافيا معهم أيضا ، فقال : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : لا تلتفت إلى صنيعهم فيما تقدّم.
وقيل : إنما فعلوا بيوسف ما فعلوا حسدا لإقبال الأب عليه ، وتخصيصه بمزيد الإكرام فخاف بنيامين أن يحسدوه ، بسبب تخصيص الملك له بالإكرام ، فآمنه منهم ، وقال : لا تلتفت إلى ذلك ، فإنّ الله قد جمع بيني وبينك.
وروى الكلبيّ عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أنّ إخوة يوسف عليهالسلام : كانوا يعيّرون يوسف ، وأخاه بسبب أنّ جدهما أبا أمّهما كان يعبد الأصنام ، فإنّ أمّ يوسف أمرت يوسف بسرقة جونة كانت لأبيها ، فيها أصنام رجاء أن يترك عبادتها ، إذا فقدها ، فقال له : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : من التّعيير لنا بما كان عليه جدّنا. والله أعلم (١).
قوله تعالى : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)(٧٥)
قوله تعالى : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ).
تقدّم الكلام في الجهاز. وأمّا قوله : (جَعَلَ السِّقايَةَ) فالعامة على : «جعل» بلا واو قبلها ، وقرأ عبد (٢) الله «وجعل» وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن الجواب محذوف.
__________________
(١) ذكره الرازي في تفسيره (١٨ / ١٤٣).
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٩٠ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٦٣ والبحر المحيط ٥ / ٣٢٦ والدر المصون ٤ / ١٩٧.