الوجه الثاني من وجهي «كيدا» : أن يكون مفعولا به ، أي : فيصنعوا لك كيدا ، أي : أمرا يكيدونك به ، وهو مصدر في موضع الاسم ، ومنه : (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ) [طه : ٦٤] ، أي : ما تكيدون به ؛ ذكره أبو البقاء ، وعلى هذا ففي اللّام في : «لك» وجهان فقط : كونها صفة في الأصل ، ثم صارت حالا ، أو هي للعلّة ، وأما الثلاثة الباقية ، فلا تتأتّى بعد ، فامتناعها واضح.
ثمّ قال (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي : يزيّن لهم الشيطان ، ويحملهم على الكيد بعداوته القديمة.
فصل
قال أبو سلمة : كنت أرى الرّؤيا تهمّني ، حتى سمعت أبا قتادة يقول : كنت أرى الرّؤيا ، فتمرضني ، حتى سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «الرّؤيا الصّالحة من الله ، فإذا رأى أحدكم ما يحبّ ، فلا يحدّث به إلّا من يحبّ ، وإذا رأى ما يكره ، فلا يحدّث به ، وليتفل عن يساره ، وليتعوّذ بالله من الشيطان الرّجيم ، من شر ما رأى (١) فإنّها لن تضره» (٢) وقالصلىاللهعليهوسلم : «الرّؤيا جزء من أربعين أو ستّة (٣) وأربعين جزءا من النّبوّة ، وهي على رجل طائر فإذا حدّث بها وقعت». قال الراوي : وأحسبه قال : «لا تحدّث بها إلّا حبيبا ، أو لبيبا» (٤).
قال الحكماء : الرؤيا الرّديئة يظهر تعبيرها عن قرب ، والرّؤيا الجيّدة ، إنّما يظهر تعبيرها بعد حين ، قالوا : والسّبب فيه أنّ رحمة الله تقتضي ألّا يحصل الإعلام بوصول الشّر ، إلا عند قرب وصوله حتى يقل الحزن ، والغمّ الحاصل بسبب توقّعه ، وأمّا الإعلام بالخير ، فإنه يحصل متقدّما على ظهوره ، بزمان طويل ؛ حتى يكون السّرور الحاصل بسبب توقّع حصوله كثيرا.
فصل
قال القرطبيّ (٥) : «الرّؤيا حالة شريفة ، ومنزلة رفيعة ، قال صلىاللهعليهوسلم : «لم يبق بعدي من
__________________
(١) في ب : ومن سرّ برؤيا.
(٢) أخرجه البخاري (٦ / ٣٣٨) في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده (٣٢٩٢) ، (٥٧٤٧) ، (٦٩٨٤) ، (٦٩٨٦) ، (٦٩٩٥) ، (٦٩٩٦) (٧٠٠٥) ، (٧٠٤٤). ومسلم (٤ / ١٧٧٢) في الرؤيا (٢ / ٢٢٦٢) وأخرجه مالك في الموطأ (٢ / ٩٥٧) في الرؤيا : باب ما جاء في الرؤيا (٢).
(٣) في ب : أربعة ، وفي أ : تسع والصواب ما أثبتناه.
(٤) أخرجه الترمذي (٤ / ٥٣٦) في الرؤيا : باب ما جاء في تعبير الرؤيا (٢٢٧٨) (٢٢٧٩) ، وقال حسن صحيح ، وأبو داود الطيالسي في المسند ١٤٧ / (١٠٨٨) وأحمد في المسند ٤ / ١٢ ، والحاكم في المستدرك ٤ / ٣٩٠ ، في تعبير الرؤيا باب القيد ثبات في الدين وقال صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي.
(٥) ينظر : الحامع لأحكام القرآن ٩ / ٨٢.