روى أبو عبيدة عن الكسائيّ : زعمت به أزعم زعما وزعامة ، أي : تكفلت به.
وهذه الآية تدلّ على أنّ الكفالة كانت صحيحة في شرعهم ، وقد حكم بها رسول اللهصلىاللهعليهوسلم في قوله : «الزّعيم غارم».
فإن قيل : هذه الكفالة شيء مجهول؟.
فالجواب : حمل البعير من الطّعام كان معلوما عندهم ، فصحت الكفالة به إلّا أن هذه الكفالة مال لرد السّرقة ، وهي كفالة بما لم يجب ؛ لأنّه لا يحلّ للسّارق أن يأخذ شيئا على ردّ السّرقة ، ولعلّ مثل هذه الكفالة كانت تصحّ عندهم.
فصل
قال القرطبيّ (١) : «تجوز الكفالة عن الرّجل ؛ لأنّ المؤذن هو الضّامن وهو غير يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
قال علماؤنا : إذا قال الرجل : تحمّلت ، أو [تكفلت](٢) أو ضمنت ، أو أنا حميل لك أو زعيم ، أو كفيل ، أو ضامن ، أو قبيل ، أو لك عندي ، أو علي ، أو إليّ ، أو قبلي ، فذلك كلّه [حمالة](٣) لازمة.
واختلفوا فيمن تكفل بالنفس ، أو بالوجه هل يلزمه ضمان المال؟.
فقال الشافعيّ ـ رضي الله عنه ـ في المشهور عنه ، وأحمد : من تكفّل بالنّفس لم يلزمه
الحقّ الذي على المطلوب إن مات.
وقال مالك ، والليث ، والأوزاعيّ : إذا تكفل بنفسه ، وعليه مال ، فإن لم يأت به غرم المال ، ويرجع به على المطلوب ، فإن اشترط ضمان نفسه ، أو وجهه ، وقال : لا أضمن المال ، فلا شيء عليه من المال».
فصل
واختلفوا فيما إذا تكفّل رجل عن رجل بمال ، هل للطالب أن يأخذ من شاء منهما؟.
فقال الأوزاعيّ ، والشافعيّ ، وأحمد ، وإسحاق : يأخذ من شاء منهما ، وهذا كان قول مالك ، ثمّ رجع عنه فقال : لا يأخذ من الكفيل إلّا أن يفلس الغريم ، أو يغيب ؛ لأنّ البداءة بالذي عليه الحق أولى إلّا أن يكون معدما ، فإنّه يأخذ من الحميل ؛ لأنه معذور في أخذه في هذه الحالة ، وهذا قول حسن ، والقياس : أنّ للرّجل مطالبة من شاء منهما.
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٥٢.
(٢) في ب : تكلفت.
(٣) في ب : كفالة.