قال أبو حيّان (١) : «وهو متكلف ، إذ تصير الجملة من قوله «المسئول عنه جزاؤه» على هذا التقدير ، ليس فيه كبير فائدة ، إذ قد علم من قوله : (فَما جَزاؤُهُ) أي الشيء المسئول عنه جزاء سرقته ، فأيّ فائدة في نطقهم بذلك ، وكذلك القول في المثال الثّاني الذي مثل به من قول المستفتي».
قال شهاب الدّين (٢) : «قوله : «ليس فيه كبيرة فائدة» ممنوع ، بل فيه فائدة الإضمار المذكور في علم البيان ، وفي القرآن أمثال ذلك».
الوجه الرابع : أن يكون «جزاؤه» مبتدأ ، وخبره محذوف ، تقديره : جزاؤه عندنا كجزائه عندكم ، والهاء تعود على السّارق ، أو على المسروق ، وفي الكلام المتقدّم دليل عليهما ، ويكون قوله : (مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) على ما تقدّم في الوجه الذي قبله وبهذا الوجه بدأ أبو البقاء ـ رحمهالله ـ ولم يذكره الشّيخ.
قوله : (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) محل الكاف نصب إمّا على أنّها نعت لمصدر محذوف ، إمّا حال من ضميره ، أي : مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي الظالمين أي : إذا سرق استرق.
قيل : هذا من بقيّة كلام إخوة يوسف صلوات الله وسلامه عليه.
وقيل : إنهم لما قالوا : (جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) قال أصحاب يوسف : (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) ما ليس لهم فعله من سرقة مال الغير ، فعند ذلك قال لهم المؤذن : لا بدّ من تفتيش أوعيتكم ، فانصرف بهم إلى يوسف.
قوله تعالى : (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ)(٧٧)
(فَبَدَأَ) يوسف : (بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ) لإزالة التّهمة.
قرأ العامة : «وعاء» بكسر الواو. وقرأ الحسن (٣) بضمها ، وهي لغة نقلت عن نافع أيضا ، وقرأ (٤) سعيد بن جبير : «من إعاء أخيه» بإبدال الواو همزة وهي لغة هذيليّة ،
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٢٧.
(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٠١.
(٣) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٥١ والكشاف ٢ / ٤٩١ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٦٥ والبحر المحيط ٥ / ٣٢٨ والدر المصون ٤ / ٢٠٢.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٩١ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٦٥ والبحر المحيط ٥ / ٣٢٨ والدر المصون ٤ / ٢٠٢.