قوله تعالى : (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) (٧٩)
قوله تعالى : (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) الآية.
اعلم : أنهم لمّا قالوا : (إن سرق فقد سرق أخ له من قبل) ، أحبّوا موافقته ، والعدول إلى طريق الشّفاعة ، وأنهم ، وإن كانوا قد اعترفوا بأن حكم الله في السارق أن يستعبد ، إلّا أنّ العفو وأخذ الفداء كان أيضا جائزا ؛ فقالوا : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) ، في السنّ ، ويجوز أن يكون في القدر ، والدّين ؛ لأن قولهم : «شيخا» يعلم منه كبر سنه ، وإنّما ذكروا ذلك ؛ لأنّ كونه ابنا لرجل كبير القدر يوجب العفو [والصفح](١).
قوله : «مكانه» فيه وجهان :
أظهرهما : أنّ «مكانه» : نصب [على الظرف](٢) ، والعامل فيه : «خذ».
والثاني : أن ضمّن «خذ» معنى : «اجعل» ، فيكون : «مكانه» في محلّ المفعول الثاني.
وقال الزمخشريّ (٣) : «فخذ بدله على جهة الاسترهان ؛ حتّى نردّ الفداء إليك ، أو الاستعباد».
ثم قالوا : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) ، لو فعلت ذلك.
وقيل : من المحسنين إلينا في توفية الكيل ، وحسن الضّيافة ، وردّ البضاعة.
وقيل : من المحسنين في أفعالك ، وقيل : لما اشتدّ القحط على القوم ، ولم يجدوا ما يشترون به من الطّعام ، وكانوا يبيعون أنفسهم ، فصار ذلك (٤) سببا لصيرورة أكثر أهل مصر عبيدا له ، ثم إنه أعتق الكلّ قالوا : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) إلى عامة النّاس بالإعتاق ، فكن محسنا أيضا إلى هذا الإنسان بالإعتاق من هذه المحنة.
فقال يوسف : (مَعاذَ اللهِ) أي أعوذ بالله معاذا (أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) أي أعوذ بالله أن نأخذ بريئا بمذنب.
قال الزجاج : «موضع «أن» نصب ، والمعنى : أعوذ بالله من أخذ أحد بغيره ، فلمّا سقطت كلمة : «من» تعدّى الفعل».
وقوله : (إِنَّا إِذاً) حرف جواب وجزاء ، تقدّم الكلام [النساء : ٦٧ ـ البقرة : ١٤] على أحكامها.
والمعنى : لقد تعدّيت ، وظلمت ، إن أخذت بريئا بجرم صدر من غيره ، فقال :
__________________
(١) في ب : والصلح.
(٢) سقط من : ب.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٩٣.
(٤) في ب : لذلك.