قال الضحاك : لم يقولوا : إنّ الله يجزيك ؛ لأنّهم لم يعلموا أنّه مؤمن (١).
وسئل سفيان بن عيينة : هل حرمت الصدقة على نبيّ من الأنبياء سوى نبيّنا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ؟.
قال سفيان : ألم تسمع قوله : (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)(٢).
يريد : أنّ الصّدقة كانت حلالا لهم ، وأنكر الباقون ذلك ، وقالوا : حال الأنبياء وحال أولاد الأنبياء في طلب الصّدقة سواء ؛ لأنّهم يأنفون من الخضوع إلى المخلوقين ويغلب عليهم الانقطاع إلى الله ، والاستغناء به عمّن سواه.
وروي عن الحسن ومجاهد : أنّهما كرها أن يقول الرّجل في دعائه : اللهمّ تصدّق علينا ، قالوا : لأنّ الله لا يتصدّق ، وإنّما التّصدّق بمعنى الثّواب ، وإنما يقول اللهمّ أعطني وتفضّل علينا(٣).
فصل
قال القرطبيّ : «استدلّ العلماء بهذه الآية على أنّ أجرة الكيال على البائع ، لقولهم ليوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ «فأوف لنا الكيل» فكان يوسف هو الذي يكيل ، وكذلك الوزّان ، والعدّاد وغيرهم ؛ لأنّ الرّجل إذا باع عدّة من طعامه معلومة ، وأوجب العقد عليه ؛ وجب عليه أن يبرزها ، ويميّز حقّ المشتري من حقّه إلا إن كان المبيع فيه معينا صبره ، أو ما ليس فيه حق موفيه ، فيخلي ما بينه وبينه ، وما جرى على المبيع فهو ضمان المبتاع ، وليس كذلك ما يتعلّق به حقّ موفيه من كيل أو وزن ، ألا ترى : أنّه لا يستحقّ البائع الثمن إلّا بعد التّوفية ، وكذلك أجرة النقد على البائع أيضا ؛ لأنّ المتباع الدّافع لدراهمه يقول : إنّها طيبة فأنت الذي تدّعي الرّداءة ، فانظر لنفسك ، ليقع له فكان الأجر عليه ، وكذلك لا يجب أجرة القاطع على من يجب عليه القصاص لأنه لا يجب عليه أن يقطع يد نفسه ، ولا أن يمكن من ذلك طائعا ؛ ألا ترى أنّ فرضا عليه أن يفدي يده ، ويصالح عليه ، إذا طلب المقتص ذلك.
وقال الشّافعيّ : إن الأجرة على المقتص منه كالبائع ؛ لأنّه يجب عليه تسليم يده.
فصل
روي : أنهم لما قالوا : «مسّنا وأهلنا الضّرّ» وتضرّعوا إليه ، أدركته الرّقّة ، فارفضّ دمعه ، فباح بالذي كان يكتم ، فقال : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ) وقيل : دفعوا إليه
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٤٦).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٨٩) وذكره البغوي (٢ / ٤٤٦).
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٦٣) عن مجاهد وعزاه إلى أبي عبيد وابن المنذر.