بألا يكيدوه ؛ لأن ذكر ذلك قد تقدّم ، وأيضا : فيبعد أن يقال : إنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ سيصل إلى هذه المناصب ، إلا أنه لا يمتنع أن يقع في المضايق الشديدة ، ثم يتخلّص منها ، أو يصل إلى تلك المناصب ، وكان خوفه بهذا السّبب ، ويكون معنى قوله : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) الزّجر عن التهاون في حقّه وإن كان يعلم أن الذئب لا يصل إليه».
قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ (٩) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (١٠) قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (١٢) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) (١٤)
قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ) الآية.
قال الزمخشري (١) : «أسماء إخوة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ يهوذا وروبيل ، وشمعون ، ولاوى ، وزبالون ، ويشجر ، وأمهم : ليا بنت ليان ، وهي ابنة خال يعقوب ، وولد له من سريتين ـ تسمى إحداهما زلفة والأخرى بلهة ـ أربعة أولاد : دان ، ونفتالي ، وجاد وآشر ، فلما توفيت «ليا» تزوج يعقوب أختها راحيل ، فولدت له يوسف وبنيامين».
قوله تعالى (آياتٌ) قرأ (٢) ابن كثير «آية» بالإفراد ، والمراد بها : الجنس ، والباقون الجمع تصريحا بالمراد ؛ لأنها كانت علامات كثيرة ، وزعم بعضهم : أن ثمّ معطوفا محذوفا ، تقديره : للسّائلين ولغيرهم ، ولا حاجة إليه ، و «للسّائلين» : متعلق بمحذوف نعتا ل «آيات».
فصل
معنى : (آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) أنه عبرة للمعتبرين ؛ فإنها تشتمل على حسد إخوة يوسف ، وما آل إليه أمرهم من الحسد ، وتشتمل على صبر يوسف عن قضاء الشّهود ، وعلى الرقّ والسّجن ، وما آل إليه أمره من الوصول إلى المراد ، وغير ذلك.
وقيل : (آياتٌ لِلسَّائِلِينَ) ، أي دلالة على نبوّة الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٤٥.
(٢) ينظر : السبعة ٣٤٤ الحجة ٤ / ٣٩٦ وإعراب القراءات السبع ١ / ٢٩٩ وحجة القراءات ٣٥٥ وقرأ بها أيضا ابن محيصن ينظر : الإتحاف ٢ / ١٤٠ وينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٣١ وقرأ بها أيضا مجاهد وأهل مكة ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٨٣ وينظر : الدر المصون ٤ / ١٥٥.