قالوه في حق زليخا ، لكان هذا القول كذبا منه ، وذكر الكذب في مثل هذا المقام الذي يؤمن فيه الكافر ، ويتوب فيه العاصي لا يليق بالعقلاء».
قوله : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) أي تفضّل عليك ، والإيثار : التفضيل بأنواع جميع العطايا ، آثره يؤثره إيثارا ، وأصله من الأثر ، وهو تتبع الشيء ، فكأنه يستقصي جميع أنواع المكارم ، وفي الحديث : «ستكون بعدي أثرة» أي : يستأثر بعضكم على بعض ، ويقال : استأثر بكذا ، أي : اختص به ، واستأثر الله بفلان ، كناية عن اصطفائه له.
وقال الشاعر : [الرجز]
٣١٤٩ ـ والله أسماك سما مباركا |
|
آثرك الله به إيثاركا (١) |
قال الأصمعيّ : يقال : آثرك الله إيثارا ، أي : فضّلك ، والمعنى : لقد فضلك الله علينا بالعلم ، والعمل ، والحسن ، والملك.
فصل
احتجّ بعضهم بهذه الآية على أنّ إخوة يوسف ما كانوا أنبياء ؛ لأنّ جميع المناصب المغايرة لمنصب النبوة كالعدم بالنّسبة لمنصب النّبوة فلو كانوا شاركوه في منصب النبوة لما قالوا : (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) ، وعلى هذا يذهب سؤال من يقول : آثره عليهم بالملك ، وإن شاركوه في النبوة ؛ لأنّا بيّنا أنّ سائر المناصب لا تعتبر في جنب منصب النّبوّة.
ثم قالوا : (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) والخاطىء : هو الذي أتى بالخطيئة عمدا وهذا هو الفرق بين الخاطىء والمخطىء ، ولهذا يقال للمجتهد الذي لم يصب أنّه مخطىء ، ولا يقال : إنه خاطىء.
فصل
أكثر المفسرين على أن الذي اعتذروا منه هو إقدامهم على إلقائه في الجبّ وبيعه وتبعيده عن أبيه.
وقال أبو عليّ الجبائيّ : لم يعتذروا من ذلك ؛ لأنّ ذلك كان منهم قبل البلوغ ، فلا يكون ذنبا ، فلا يعتذر منه ، وإنّما اعتذروا من حيث إنهم أخطئوا بعد ذلك بأن لم يظهروا لأبيهم ما فعلوه ليعلم أنّه حي ، وأنّ الذّئب لم يأكله.
وأجاب ابن الخطيب عن ذلك : «بأنّه لا يجوز أن يقال : إنهم أقدموا على ذلك الفعل في زمن الصّبا ؛ لأنه من البعيد في [مثل](٢) يعقوب أن يبعثهم جمعا غير بالغين من
__________________
(١) تقدم.
(٢) في ب : زمن.