وتنسب الفعل إليه ؛ لأنّ التثريب لا يثرب إلا مجازا ، كقولهم : «شعر شاعر» بخلاف : «لا عاصم يعصم» فإن نسبة الفعل إلى العاصم حقيقة ، فهناك حذف شيء واحد من غير مجاز ، وهنا حذف شيئين مع مجاز.
والتّثريب : العتب ، والتّأنيب ، وعبّر بعضهم عنه بالتّعيير من عيّرته بكذا إذا عتبته وفي الحديث : «إذا زنت أمة أحدكم ، فليجلدها ، ولا يثرّب» (١) أي : لا يعيّر ، وأصله من الثّرب ، وهو ما تغشى الكرش من الشّحم ، ومعناه : إزالة الثّرب ، كما أنّ التّجليد إزالة الجلد ، فإذا قلت: ثرّبت فلانا ، فكأنّك لشدّة عتبك له أزلت ثربه ، فضرب مثلا في تمزيق الأعراض.
وقال الرّاغب (٢) : «ولا يعرف من لفظه إلّا قولهم : الثّرب ، وهو شحمة رقيقة وقوله تعالى: (يا أَهْلَ يَثْرِبَ) [الأحزاب : ١٣] يصحّ أن يكون أصله من هذا الباب ، والياء فيه مزيدة».
فصل
قال المفسرون : التّثريب : التّوبيخ ، قال عطاء الخراسانيّ : طلب الحوائج إلى الشّباب أسهل منها إلى الشّيوخ ألا ترى إلى قول يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ «لا تثريب عليكم» ، وقول يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام «سوف أستغفر لكم ربّي».
واعلم أنّا إذا جعلنا : «اليوم» متعلّقا ب : «لا تثريب» أي : لا أثرّبكم اليوم وهو اليوم الذي مظنته التّثريب ، فما ظنّكم بسائر الأيّام ، ويحتمل أنّي حكمت في هذا اليوم ألّا تثريب مطلقا ؛ لأنّ قوله : «لا تثريب» نفي للماهيّة ، ونفي الماهيّة يقتضي نفي أفراد جميع الماهية ، فكان ذلك مفيدا للنّفي المتناول لكلّ الأوقات والأحوال.
ثمّ إنّه لمّا أزال عنهم ملامة الدّنيا طلب من الله أن يزيل عنهم عقاب الآخرة ، فدعا لهم بقوله : «يغفر الله لكم».
وإن قلنا : «اليوم» متعلق بقوله : «يغفر الله لكم» كأنه لما نفى الذّنب عنهم مطلقا بشّرهم بأنّ الله يغفر ذنبهم في ذلك اليوم ، وذلك أنّهم لما خجلوا ، واعترفوا وتابوا ، فالله ـ تعالى ـ قبل توبتهم ، وغفر ذنوبهم ؛ فلذلك قال : (الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ).
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ بعضادتي الكعبة يوم الفتح وقال لقريش : ما ترون؟ قالوا : خيرا أخ كريم ، وابن أخ كريم ، وقد قدرت ، قال : أقول ما قال أخي يوسف : «لا تثريب عليكم» (٣).
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : المفردات ٧٩.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٦٤) بألفاظ مختلفة وعزاه إلى أبي الشيخ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وابن مردويه عن ابن عباس والبيهقي في «الدلائل» عن أبي هريرة.