قال الثوريّ : لما التقى يعقوب ويوسف ـ صلوات الله وسلامه عليهما ـ عانق كل واحد منهما صاحبه وبكيا ، فقال يوسف : يا أبت! بكيت عليّ حتى ذهب بصرك ، ألم تعلم أنّ القيامة تجمعنا؟ قال : بلى يا بنيّ ، ولكن خشيت أن تسلب دينك ، فيحال بيني وبينك (١).
قيل : دخل يعقوب وولده مصر ، وهم اثنان وسبعون ما بين رجل ، وامرأة ، وخرجوا منها مع موسى ، والمقاتلون ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا سوى الصبيان والشيوخ.
قوله تعالى : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(١٠١)
قوله (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) الآية قال أكثر المفسرين المراد : أبوه وخالته «ليّا» وكانت أمه قد ماتت في نفاسها ببنيامين وقال الحسن : أبوه وأمه ، وكانت حية.
وروي : أنّ الله ـ تعالى ـ أحيا أمّه حتّى جاءت مع يعقوب إلى مصر حتّى سجدت له تحقيقا لرؤيا يوسف.
وقيل : إن الخالة أم كما أنّ العم أب ، قال تعالى : (وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [البقرة : ١٣٣] ، ومعنى (آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ) ضمهما إليه ، واعتنقهما.
فإن قيل : ما معنى دخولهما عليه قبل دخولهم مصر؟.
فالجواب : أنّه حين استقبلهم أنزلهم في خيمة ، أو بيت هناك ، فدخلوا عليه وضم إليه أبويه وقال : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) ، أي : أقيموا بها آمنين ، سمّى الإقامة دخولا ؛ لاقتران أحدهما بالآخر.
قال السديّ في هذا الاستثناء قولان :
الأول : أنه عائد إلى الأمن لا إلى الدخول ، والمعنى : ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله ، كقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) [الفتح : ٢٧].
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.