ثم قال : (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) «لطيف» (١) أصله أن يتعدّى بالباء ، وإنّما تعدى باللّام لتضمنه معنى مدبر ، أي : أنت بلطفك لما تشاء.
والمعنى : أنه ذو لطف لما يشاء ، وقيل : بمن يشاء ، وحقيقة اللّطف : الذي يوصل الإحسان إلى غيره بالرفق.
والمعنى : أن اجتماع يوسف ، وإخوته مع الألف ، والمحبّة ، وطيب العيش ، وفراغ البال كان في غاية البعد عن العقول ، إلا أنه ـ تعالى ـ لطيف ، فإذا أراد حصول شيء سهل أسبابه ، فحصل ، وإن كان في غاية البعد عن الحصول.
(إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) يعني أنّ كونه لطيفا في أفعاله إنّما كان لأنه عليم بجميع الاعتبارات الممكنة التي لا نهاية لها ، فيكون عالما بالوجه الذي يسهل تحصيل ذلك الصعب.
فصل
اختلفوا في مقدار الوقت ما بين الرّؤيا واجتماعهم. فقيل : ثمانون سنة ، وقيل : سبعون ، وقال الأكثرون : أربعون ، ولذلك يقولون : إنّ تأويل الرّؤيا إنّما صحّت بعد أربعين سنة. وقيل : ثماني عشرة سنة وبقي في العبودية ، والملك ، والسجن ثمانين سنة ، ثمّ وصل إليه أقاربه ، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة. وقال : أقام يعقوب بمصر عند يوسف أربعا وعشرين سنة ، ثم مات بمصر ، فلما حضرته الوفاة أوصى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفن عند أبيه إسحاق ، ففعل يوسف ومضى به حتّى دفنه بالشّام ، ثم رجع إلى مصر.
قال سعيد بن جبير : نقل يعقوب في تابوت من ساج إلى بيت المقدس فوافق ذلك يوم مات عيصو ، فدفنا في قبر واحد ، وكانا ولدا في بطن واحد ، وكان عمرهما مائة وسبعة وأربعين سنة ، وعاش يوسف بعد ذلك عشرين سنة ، وقيل : ستين سنة وات وهو ابن مائة وعشرين سنة ، وفي التوراة مائة وعشرين ، وولد له إفرائيم ، وميشا وولد لإفرائيم نون ، ولاوي ، ويوشع فتى موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ورحمة امرأة أيوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأنه تمنى الموت. وقيل : ما تمنّاه نبيّ قبله ، ولا بعده فتوفّاه الله طيبا طاهرا ، فتخاصم أهل مصر في دفنه كل أحد يحبّ أن يدفنه في محلتهم ، فرأوا أن الأصلح أن يعمل له صندوقا من مرمر ، ويجعلوه فيه ، ويدفنوه في النّيل ليمر الماء عليه ، ويصل إلى مصر ، وبقي هناك إلى أن بعث موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فأخرج عظامه من مصر ، ودفنه عند أبيه.
قوله تعالى : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) الآية قرأ عبد (٢) الله : (آتيتن وعلمتن) بغير
__________________
(١) سقط من : ب.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٨٣ وقرأ بها أيضا عمرو بن ذر ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٤٣ والدر المصون ٤ / ٢١٦.