غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(١٠٧)
قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) الآية «ذلك» : مبتدأ و (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) : خبره ، و «نوحيه» : حال ، ويجوز أن يكون خبرا ثانيا ، أو حالا من الضمير في الخبر ، وجوز الزمخشري : أن يكون موصولا بمعنى : الذي ، وتقدّم نظيره ، والمعنى : ذلك الذي ذكرت من أنباء الغيب نوحيه إليك ، وما كنت يا محمّد عند أولاد يعقوب ، (إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) أي : عزموا على إلقاء يوسف في الجبّ ، وما كنت هناك ، ذكره على وجه التّهكّم ، وتقدّم الكلام على هذا اللفظ عند قوله : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) [يونس : ٧١] وقوله : (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) أي : بيوسف والمقصود من هذا إخبار عن الغيب ، فيكون معجزا ؛ لأنّ محمدا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لم يطالع الكتب ، ولم يتلمذ لأحد ، وما كانت بلدته بلدة العلماء ؛ فإتيانه بهذه القصّة الطويلة ، على وجه لم يقع فيها تحريف ، ولا غلط من غير مطالعة ، ولا تعلم ، كيف لا يكون معجزا؟.
روي أن اليهود وقريشا سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قصّة يوسف ؛ فلما أخبرهم على موافقة التّوراة لم يسلموا ، فحزن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقيل : إنهم لا يؤمنون ، ولو حرصت على إيمانهم (١).
قوله (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) : حال ، (وَلَوْ حَرَصْتَ) معترض بين «ما» وخبرها ، وجواب «لو» محذوف ؛ لدلالة ما تقدّم عليه.
قال أبو بكر الأنباري رحمهالله : «جواب «لو» محذوف ؛ لأن جواب «لو» لا يكون مقدّما عليها ، فلا يجوز أن يقال : قمت لو قمت».
وقال الفراء في «المصادر» : حرص يحرص حرصا ، وفي لغة أخرى : حرص يحرص حرصا ، ومعنى الحرص : طلب الشيء بأقصى ما يكون من الاجتهاد ، (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) : حال.
قوله (وَما تَسْئَلُهُمْ) على تبليغ الرّسالة ، والدّعاء إلى الله ـ عزوجل ـ «من أجر» جعلوا خبر «إن» هو «ما» أي : القرآن ، «إلّا ذكر» : عظة وتذكير «للعالمين».
ثم قال : «وكأيّن» : وكم ، «من آية» : عبرة ودلالة ، (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) : لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون.
واعلم : أن دلائل التّوحيد ، والعلم ، والقدرة ، والحكمة والرحمة لا بد وأن تكون من أمور محسوسة ، وهي : إما الأجرام الفلكيّة ، وإما الأجرام العنصرية.
أما الأجرام الفلكيّة فهي قسمان : إما الأفلاك ، وإما الكواكب.
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٥٢).