قل يا محمد هذه الدعوة التي أدعو إليها ، والطريقة التي أنا عليها ، سنّتي ومنهاجي ، وسمّي الدّين سبيلا ؛ لأنه الطّريق الذي يؤدّي إلى الثّواب ، ومثله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) [النحل : ١٢٥] والسّبيل في أصل اللغة : الطريق ، ثم شبهوا بها التعبّدات ؛ لأن الإنسان يمر عليها إلى الجنّة.
قوله (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وهو الظاهر ، وأن يكون حالا من الياء ، و (عَلى بَصِيرَةٍ) حال من فاعل «أدعوا» أي : أدعوا كائنا على بصيرة.
وقيل : تمّ الكلام عند قوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ) ثم استأنف (عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي).
قوله (وَمَنِ اتَّبَعَنِي) عطف عليه ، أي : على فاعل «أدعوا» ولذلك أكد بالضمير المنفصل ، ويجوز أن يكون مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي : ومن اتّبعني يدعو أيضا ، ويجوز أن يكون (عَلى بَصِيرَةٍ) : خبرا مقدما ، و «أنا» : مبتدأ مؤخر ، و «من اتّبعني» عطف عليه أيضا ، ومفعول «أدعوا» يجوز أن لا يراد ، أي : أنا من أهل الدّعاء إلى الله ، ويجوز أن يقدّر : أن أدعو الناس. وقرأ عبد (١) الله : «هذا سبيلي» بالتّذكير ، وقد تقدّم [الأنعام : ٥٥] أنه يذكّر ويؤنّث.
فصل
والمعنى : أدعو إلى الله على بصيرة على يقين ، والبصيرة : هي المعرفة التي يميز بها بين الحقّ والباطل ، وهي الحجّة والبرهان ، (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) : آمن بي ، وسار في طريقي ، وسيره : اتّباع الدّعوة إلى الله ـ عزوجل ـ.
قال الكلبيّ ، وابن زيد : حقّ على من اتّبعه أن يدعو إلى ما دعى إليه ويذكّر بالقرآن (٢).
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : يعني : أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا على أحسن طريقة ، وأقصد هداية معدن العلم ، وكنز الإيمان وجند الرّحمن (٣).
قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «العلماء أمناء الرّسل على عباده ، حيث يحفظون ما يدعون إليه» (٤).
ثم قال «وسبحان الله» أي : وقل : سبحان الله تنزيها عمّا يشركون.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٨٥ والبحر المحيط ٥ / ٣٤٩ والدر المصون ٤ / ٢١٧.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣١٥) عن ابن زيد وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٥٣).
(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٥٣).
(٤) أخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١ / ١٨٥) وابن أبي حاتم في «العلل» (١٩٠٦) وقال عن أبيه : هذا حديث منكر.