(وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الذين اتّخذوا مع الله ضدّا وندّا. وهذه الآية تدلّ على أنّ علم الأصول حرفة الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ ، وأن الله تعالى ـ ما بعثهم إلى الخلق إلا لأجلها.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)(١١٠)
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) الآية : وهذا يدلّ على أنّه ما بعث رسولا إلى الخلق من النّسوان ، ولا من أهل البادية ، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من بدا جفا» (١).
قوله «نوحي» العامة على «يوحى» بالياء من تحت مبنيّا للمفعول.
وقرأ (٢) حفص : «نوحي» بالنون ، وكسر الحاء مبنيّا للفاعل ، اعتبارا بقوله : (وَما أَرْسَلْنا) [النحل : ٤٣] وكذلك قرأ ما في النحل ، وأوّل الأنبياء ، ووافقه الأخوان على قوله : (نُوحِي إِلَيْهِمْ) في الأنبياء على ما سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ والجملة صفة ل «رجالا» و (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) صفة ثانية ، وكان تقديم هذه الصّفة على ما قبلها أكثر استعمالا ، لأنّها أقرب إلى المفرد ، وقد تقدّم تحريره في المائدة.
فصل
قوله (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) أي من أهل الأمصار دون أهل البوادي ؛ لأن أهل الأمصار أعقل وأفضل وأعلم وأحلم.
قال الحسن : لم يبعث الله نبيّا من أهل البادية ولا من الجن ولا من الملائكة وقيل إنما لم يبعث (٣) من أهل البادية لغلظهم وجفاهم كما تقدّم.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) يعني : [هؤلاء](٤) المشركين المكذبين ، (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ
__________________
(١) أخرجه أبو داود (٢٨٥٨) وأحمد (٣٣٦٢ ـ شاكر) والترمذي ٢٣٥٧) والنسائي (٧ / ١٩٥ ـ ١٩٦) والطبراني في «الكبير» (١١٠٣٠) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١ / ١٩٨) من حديث ابن عباس.
وأخرجه أحمد (٢ / ٣٧١ ، ٤٤٠) وأبو داود (٢٨٥٩) والقضاعي في «مسند الشهاب» (٣٣٩) من حديث أبي هريرة.
(٢) ينظر : الحجة ٤ / ٤٤٠ وإعراب القراآت السبع ١ / ٣١٥ وحجة القراآت ٣٦٥ والإتحاف ٢ / ١٥٥ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٨٦ والبحر المحيط ٥ / ٣٤٦ وفيه قرأ بها أيضا أبو عبد الرحمن وطلحة وينظر : الدر المصون ٤ / ٢١٨.
(٣) سقط من : ب.
(٤) في ب : أهل.