قوله (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) : عذابنا ، وقرأ الحسن (١) «بأسه» والضمير لله ، وفيها مخالفة للشواذّ ، (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) أي : المشركين.
قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(١١١)
قوله : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ) أي : في خبر يوسف وإخوته ، «عبرة» : موعظة «لأولي الألباب» (٢).
قرأ أبو عمرو في رواية عبد الوارث ، والكسائيّ في رواية الأنطاكي : «قصصهم» بكسر القاف وهو جمع قصّة ، وبهذه القراءة رجّح الزمخشري عود الضمير في «قصصهم» في القراءة المشهورة على الرسل وحدهم.
وحكى غيره : أنه يجوز أن يعود على الرسل ، وعلى يوسف وإخوته جميعا كما تقدم.
قال أبو حيان (٣) : «ولا ينصره ـ يعني هذه القراءة ـ ؛ إذ قصص يوسف ، وأبيه ، وإخوته تشتمل على قصص كثيرة ، وأنباء مختلفة».
فصل
الاعتبار : عبارة عن العبور من الطريق المعلومة إلى الطريق المجهولة ، والمراد منه : التّأمّل والتّفكر ، ووجه الاعتبار بقصصهم أمور :
أحدها : أنّ الذي قدر على إعزاز يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، بعد إلقائه في الجبّ وإعلائه بعد سجنه ، وتمليكه مصر بعد أن كانوا يظنون أنه عبد لهم وجمعه مع أبيه وإخوته على ما أحبّ بعد المدة الطويلة ؛ لقادر على إعزاز محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإعلاء كلمته.
وثانيها : أن الإخبار عنه إخبار عن الغيب ، فكان معجزة دالّة على صدق محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.
وثالثها : أنه قال في أوّل السورة : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف : ٣] ثم قال هنا : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) وذلك تنبيه على أن حسن هذه القصّة ، إنّما هو لأجل حصول العبرة منها ، ومعرفة الحكمة والقدرة.
فإن قيل : لم قال : (عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) مع أن قوم محمد صلىاللهعليهوسلم كانوا ذوي عقول وأحلام ، وقد كان الكثير منهم لم يعتبر؟.
فالجواب : أنّ جميعهم كانوا متمكّنين من الاعتبار ، والمراد من وصف هذه القصّة بكونها عبرة كونها بحيث يعتبرها العاقل.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٨٩ والبحر المحيط ٥ / ٣٤٨ والدر المصون ٤ / ٢٢٠.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٤٨.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٤٩.