«وجنّات» بساتين : (مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ) تقدّم الكلام على الصنو ، والصنوان ، وهي النخلات يجمعهن أصل واحد ، «وغير صنوان» هي النّخلة المنفردة بأصلها.
قال المفسرون : الصنوان : المجتمع ، وغير الصنوان متفرق ، ولا فرق في الصنوان ، والقنوان بين التثنية والجمع إلّا في الإعراب ، وذلك أنّ النّون في التثنية مكسورة غير منونة وفي الجمع منونة.
(يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) والماء : جسم رقيق مائع به حياة كلّ نام.
(وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) في الثّمر ، والطّعم ، جاء في الحديث : «ونفضّل بعضها على بعض في الأكل» قال : «الفارسي والدقل والحلو والحامض».
قال مجاهد : كمثل بني آدم صالحهم وخبيثهم وأبوهم واحد (١).
وحكى الواحديّ عن الزجاج : أنّ الأكل : الثّمر الذي يؤكل ، وحكى عن غيره أنّ الأكل: المهيّأ للأكل.
قال ابن الخطيب (٢) : «وهذا أولى ؛ لقوله تعالى في صفة الجنة : (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) [الرعد : ٣٥] : وهو عامّ في جميع المطعومات».
قال الحسن : هذا مثل ضربه لقلوب بني آدم ، كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن ، فسطحها ؛ فصارت قطعا متجاورات ، فينزل عليها الماء من السّماء فتخرج هذه زهرتها ، وشجرتها ، ونباتها ، وثمرها ، وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها ، وكلّ يسقى بماء واحد ، كذلك النّاس خلقوا من آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ فتنزل عليهم من السّماء تذكرة ، فترق قلوب قوم ، فتخشع ، وتقسو قلوب قوم فتلهو (٣).
قال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد ، إلّا قام من عنده بزيادة ، أو نقصان ، قال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) [الإسراء : ٨٢] (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي ذكر : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٤).
فصل
قال ابن الخطيب (٥) : المقصود من هذه الآية : إقامة الدّلالة على أنه لا يجوز أن يكون حدوث الحوادث في هذا العالم لأجل الاتصالات الفلكية والحركات الكوكبية من وجهين :
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٧) وأخرجه الطبري (٧ / ٣٣٧).
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٧ ـ ٨.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٣٦) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٧).
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٧) عن الحسن.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٦.