خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(٧)
قوله : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) الآية لما ذكر الدّليل على معرفة المبدأ ذكر بعده ما يدلّ على المعاد.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : «إن تعجب من تكذيبهم إيّاك بعد ما حكموا عليك بأنّك من الصّادقين ، فهذا عجب» (١).
وقيل : إن تعجب يا محمّد من عبادتهم ما لا يملك لهم ضرّا ، ولا نفعا بعد ما عرفوا الدلائل الدّالة على التوحيد ، فهذا عجب.
وقيل : تقدير الكلام : وإن تعجب يا محمد صلوات الله عليه فقد تعجبت في موضع العجب ، لأنهم لما اعترفوا بأنه ـ تعالى ـ مدبّر السموات ، والأرضين ، وخالق الخلق أجمعين ، وأنّه هو الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ، وأنّه الذي سخر الشّمس ، والقمر على وفق مصالح العباد ، وهو الذي أظهر في العالم أنواع العجائب ، والغرائب ، فمن كانت قدرته وافية بهذه الأشياء العظيمة ، كيف لا تكون وافية بإعادة الإنسان بعد موته ؛ لأنّ القادر على الأقوى يكون قادرا على الأضعف بطريق الأولى ، وهذا تقرير موضع التّعجّب.
قوله : (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) يجوز فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه خبر مقدم ، و «قولهم» مبتدأ مؤخّر ، ولا بد من حذف [صفة](٢) لتتمّ الفائدة ، أي : فعجب أي عجب ، أو غريب ، ونحوه.
الثاني : أنه مبتدأ ، وسوّغ الابتداء ما ذكر من الوصف المقدر ، ولا يضر حينئذ كون خبره معرفه ، هذا كما أعرب سيبويه : كم مالك وخير من أقصد رجلا خير منه أبوه مبتدأين لمسوغ الابتداء بهما ، وخبرهما معرفة ، قاله أبو حيّان (٣).
وللنزاع فيه مجال ؛ على أنّ هناك علّة لا تتأتى هنا ، وهي : أنّ الذي حمل سيبويه (٤) على ذلك في المسألتين أن أكثر ما تقع موقع «كم» ، وخبر «ما» هو مبتدأ ؛ فلذلك حكم عليهما بحكم الغالب بخلاف ما نحن فيه.
الثالث : أنّ «عجب» مبتدأ بمعنى معجب ، و «قولهم» فاعل به ، قاله أبو البقاء (٥).
__________________
(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ٨) عن ابن عباس.
(٢) في ب : الصفة.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٥٨.
(٤) ينظر : الكتاب ١ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠.
(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ٦١.