ورد عليه أبو حيّان (١) : بأنهم نصّوا على أنّ «فعلا وفعلة وفعلا» ينوب عن «مفعول» في المعنى ، ولا يعمل عمله ، فلا تقول : مررت برجل [ذبح](٢) كبشه ولا غرف ماءه ولا قبض ماله ، وأيضا فإنّ الصفات لا تعمل إلّا إذا اعتمدت على أشياء مخصوصة وليس منها هنا شيء.
والعجب : تغير النّفس برؤية المستبعد في العادة.
وقال القرطبيّ (٣) : العجب تغير النفس بما يخفى أسبابه.
قوله تعالى : (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) يجوز في هذه الجملة الاستفهامية وجهان :
أظهرهما : أنّها منصوبة المحل لحكايتها بالقول.
والثاني : أنّها ، وما في حيزها في محل رفع بدلا من : «قولهم» وبه بدأ الزمخشريّ وعلى هذا فقولهم بمعنى مقولهم ويكون بدل كلّ من كلّ ؛ لأنّ هذا هو نفس «قولهم» ، و «إذا» هنا ظرف محض ، وليس فيها معنى الشّرط ، والعامل فيها مقدر يفسره (لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) تقديره : أئذا كنّا ترابا نبعث ، أو نحشر ، ولا يعمل فيها : (خَلْقٍ جَدِيدٍ) ؛ لأن ما بعد «إذا» لا يعمل فيما قبلها ، ولا يعمل فيها «كنّا» لإضافتها إليها.
واختلف القراء في هذا الاستفهام المكرر اختلافا منتشرا ، وهو في أحد عشر موضعا في تسع سور من القرآن ولا بد من تعيينها ، [وبيان] مراتب القرّاء فيها ، فإن ضبطها عسر ليسهل ذلك بعون الله ـ تعالى ـ.
فأولها : ما في هذه السورة.
والثاني ، والثالث : الإسراء وهما : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) [الإسراء : ٤٩] موضعان.
الرابع في المؤمنون : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [المؤمنون : ٨٢].
الخامس في النمل : (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) [النمل : ٦٧].
السادس في العنكبوت : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) [العنكبوت : ٢٨ ، ٢٩].
السابع في «الم» السجدة : (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) [السجدة : ١٠].
الثامن ، والتاسع في الصافات موضعان [الصافات : ١٦].
العاشر : في الواقعة : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [الواقعة : ٤٧].
الحادي عشر في النازعات : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) [النازعات : ١٠ ، ١١].
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٥٨.
(٢) في ب : باع.
(٣) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٨٧.