والوجه الثاني : لعلّ الكفار قالوا ذلك قبل مشاهدة سائر المعجزات.
ثم قال : «إنّما أنت منذر» مخوف.
قوله : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّ هذا الكلام مستأنف مستقل من مبتدأ ، وخبر.
والثاني : أنّ «لكلّ قوم» متعلق ب «هاد» ، و «هاد» نسق على «منذر» ، أي : إنّما أنت منذر وهاد لكل قوم ، وفي هذا الوجه الفصل بين حرف العطف ، والمعطوف بالجار وفيه خلاف تقدم.
ولما ذكر أبو حيان (١) هذا الوجه ، لم يذكر هذا الإشكال ، ومن عادته ذكره ردّا به على الزمخشري.
الثالث : أنّ «هاد» خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : إنّما أنت منذر ، وهو لكلّ قوم هاد ، ف «لكلّ» متعلق به أيضا.
ووقف ابن كثير (٢) على «هاد» [الرعد : ٣٣] [الزمر : ٢٣ ، ٣٦] و «واق» حيث وقعا ، وعلى «وال» هنا و «باق» [النحل : ٩٦] [الرعد : ٣٤ ـ ٣٧] في النحل بإثبات الياء ، وحذفها الباقون.
ونقل ابن مجاهد عنه : أنه يقف بالياء في جميع الياءات. ونقل عن ورش : أنّه خير في الوقف بين الياء ، وحذفها.
والباب : هو كل منقوص منون غير منصرف ، واتفق القراء على التوحيد في «هاد».
فصل
إذا جعلنا (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) كلاما مستأنفا ، فالمعنى : أنّ الله ـ تعالى ـ خصّ كلّ قوم بنبيّ ، ومعجزة تلائمهم ، فلمّا كان الغالب في زمن موسى ـ عليهالسلام ـ السحر ؛ جعل معجزته ما هو أقرب إلى طريقهم ، ولما كان الغالب في زمن عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ الطب ، جعل معجزته ما كان من تلك الطريقة ، وهي إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه ، والأبرص ، ولما كان الغالب في زمان محمد صلىاللهعليهوسلم الفصاحة ، والبلاغة جعل معجزته ما كان لائقا بذلك الزمان ، وهو فصاحة القرآن ، فلمّا لم يؤمنوا بهذه المعجزة مع أنّها أليق بطبائعهم ، فبأن لا يؤمنون بباقي المعجزات أولى ، هذا تقرير القاضي ، وبه ينتظم الكلام.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٦٠.
(٢) ينظر : السبعة ٣٦٠ والحجة ٥ / ٢٣ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٣٢ ، ٣٣٣ وحجة القراءات ٣٧٥ والإتحاف ٢ / ١٦١ والبحر المحيط ٥ / ٣٦٠ والدر المصون ٤ / ٢٢٩.