والسّارب : قال الفراء والزجاج : أي : ظاهر بالنهار في سربه ، أي : طريقه يقال : خلا له سربه ، أي : طريقه ، والسّرب ـ بفتح السّين ، وسكون الراء ـ الطريق.
وقال الأزهري (١) : «تقول العرب : سربت الإبل تسرب سربا ، أي : مضت في الأرض ظاهرة حيث شاءت».
فمعنى الآية : سواء كان الإنسان مستخفيا في الظّلمات ، وكان ظاهرا في الطرقات فعلم الله تعالى محيط بالكلّ.
قال ابن عباس : «سواء ما أضمرته القلوب ، أو أظهرته الألسنة» (٢).
وقال مجاهد : سواء من أقدم على القبائح في ظلمات الليل ، ومن أتى بها في النهار الظاهر على سبيل التّوالي (٣).
وقال ابن عباس أيضا : «هو صاحب ريبة مستخف بالليل ، وإذا خرج بالنهار أرى النّاس أنه بريء من الإثم» (٤).
والقول الثاني : نقل الواحدي عن الأخفش ، وقطرب قال : المستخفي : الظاهر والسارب : المتواري ، ومنه يقال : خفيت الشيء ، أي : أظهرته ، وأخفيت الشيء أي : استخرجته ، ويسمى النّبّاش : المستخفي ، والسّارب : المتواري ، أي : الداخل سربا ، وانسرب الوحش : إذا دخل في السّرب ، أي : في كناسه.
قال الواحديّ : «وهذا الوجه صحيح في اللغة إلا أنّ الأول هو المختار لإطباق أكثر المفسرين عليه ، وأيضا : فالليل يدلّ على الاستتار ، والنهار على الظهور».
قوله : (لَهُ مُعَقِّباتٌ) الضمير فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه عائد على «من» المكررة ، أي : لمن أسرّ القول ، ولمن جهر به ولمن استخفى : «معقبات» ، أي : جماعة من الملائكة يعقب بعضهم بعضا.
الثاني : أنه يعود على «من» الأخيرة ، وهو قول ابن عبّاس (٥).
قال ابن عطية : والمعقبات على هذا : حرس الرجل وجلاوزته الذين يحفظونه ، قالوا : والآية على هذا في الرؤساء الكفار ، واختاره الطبريّ وآخرون إلّا أنّ الماوردي ذكر على هذا التأويل: أنّ الكلام نفي ، والتقدير : لا يحفظونه ، وهذا ينبغي ألّا يسمع ألبتة ، كيف يبرز كلام موجب ، ويراد به نفي ، وحذف «لا» إنما يجوز إذا كان المنفي مضارعا
__________________
(١) ينظر : تهذيب اللغة ١٢ / ٣١٣.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ١٥).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٤٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٨٩) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٣٥٢).