والعلماء ذاهبة إلى كذا ، وتشبيهه ذلك برجل ، ورجالات من حيث المعنى لا الصناعة».
وقرأ أبي ، وإبراهيم (١) ، وعبيد الله بن زياد : له معاقيب.
قال الزمخشريّ : «جمع معقب ، أو معقبة ، والياء عوض من حذف إحدى القافين في التكسير».
ويوضح هذا ما قاله ابن جنّي ؛ فإنه قال : «معاقيب» تكسير معقب ـ بسكون العين ، وكسر القاف ، ك «مطعم ، ومطاعم» و «مقدم ، ومقاديم» ، فكأن «معقبا» جمع على معاقبة ، ثم جعلت الياء في «معاقيب» عوضا من الهاء المحذوفة في «معاقبة».
فصل
قال : المعقب من كلّ شيء ما خلف يعقب ما قبله ، ويجوز أن يكون عقبه ، إذا جاء على عقب ، والمعنى في كلا الوجهين واحد.
والتّعقيب : العود بعد البدء ، وإنّما ذكر بلفظ التّأنيث ؛ لأن واحدها معقب وجمعه معقبة ، ثم جمع المعقبة معقبات ، كقولك : رجالات مكسر ، وقد تقدّم.
وفي المراد ب «المعقبات» قولان :
أشهرهما : أن المراد الحفظة ، وإنّما وصفوا بالمعقبات ، إما لأجل أن ملائكة اللّيل تعقب ملائكة النّهار ، وبالعكس ، وإما لأجل أنهم يعقبون أعمال العباد ويتبعونها بالحفظ ، والكتابة ، وكل من عمل عملا ثم عاد إليه ؛ فقد عقّبه.
فعلى هذا المراد من المعقبات : ملائكة الليل ، والنّهار ، قال ـ تعالى جلّ ذكره ـ (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) [الانفطار : ١١ ، ١٢ ، ١٣].
قوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنّه صفة ل «معقّبات» ويجوز أن يتعلق ب «معقّبات» ، و «من» لابتداء الغاية ، ويجوز أن تكون حالا من الضمير الذي هو الظرف الواقع خبرا والكلام على هذه الأوجه تام عند قوله : (وَمِنْ خَلْفِهِ).
وقد عبّر أبو البقاء (٢) ـ رحمهالله ـ عن هذه الأوجه بعبارة مشكلة ، وهي قوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) يجوز أن يكون صفة ل «معقّبات» ، وأن يكون ظرفا ، وأن يكون حالا من الضمير الذي فيه ، فعلى هذا يتمّ الكلام عنده «انتهى».
ويجوز أن يتعلق ب «يحفظونه» أي : يحفظونه من بين يديه ، ومن خلفه.
فإن قيل : كيف يتعلّق حرفان متحدان لفظا ومعنى بعامل واحد ، وهما «من» الداخلة على «بين» و «من» الداخلة على : «أمر الله»؟.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٣٠١ ، والدر المصون ٤ / ٢٣٢ ، ٢٣٣.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٦٢.